نعم.. اتفاق السعودية وايران زلزال ولكن لا بد من نظرة مختلفة
علي الزعتري // فجر اليوم //
كان إعلان الاتفاق السعودي الإيراني الصيني لإعادة العلاقات بين السعودية و إيران مثار الاهتمام لأنه أعطى بنظرِ المحللين مؤشراً هاماً فعودة العلاقات قد تقود لفكفكةِ العقد التي تبدو مترابطةً أو مشتبكةً جراء الخلاف السعودي الإيراني في اليمن و لبنان و العراق و سوريا و ربما البحرين و المشاعر الطائفية للسنة والشيعة علي امتداد الجغرافيا. وربما تشجعُ إعادةَ الدماء بعلاقات متجددة بين مصر و الأردن و المغرب و السودان مع إيران. هكذا كانت التعليقات لكن المثير هو العناوين التي وصفت الاتفاق أنه “زلزال” و “ضربة قاضية” سعودية ضد واشنطن. و الأمور ليست بهذه الدراماتيكية علي أيَّةِ حال.
لم نقرأ أن الاتفاق السعودي الإيراني نَصَّ على تعكير علاقات الدولتين مع أحد! و لا يوجد من مبرر بحكم التاريخ لتعكير أو توتير علاقة السعودية بواشنطن. غير أن الوساطةَ الصينية بحدِّ ذاتها و الانفتاح السعودي على إيران، و إن خَفَتَ قليلاً بعد جولاتِ بغداد مما أعطى الانطباع بأن الاتفاق بعيد، بانَ و كأنهُ يرسلُ رسالةً لواشنطن أنها ليست مرجعيةً بهذا الشأن. كان لا بُدَّ لذلك من دليلٍ يقول إن العلاقات السعودية الأمريكية هذه تستمرُ قوية، عابرة للحكومات، وغنية. “طيران الرياض”. صفقةٌ تم الاتفاق عليها لتزويد “طيران الرياض”، الذي أعلنت السعودية إنشاءهُ، بما قد يصل ل ١٢١ طائرة بوينغ ٧٨٧ بقيمةٍ قد تتجاوز ٤٠ بليون دولار.
مثل هذه الصفقة ستعمل على تشغيل الاقتصاد الأمريكي لسنوات قادمة و تعكس تأكيداً سعودياً بموازنة السياسة التي قد تبدو معاكسةً لرغبات واشنطن في عزل إيران. ثم حلَّقت أضخم قاذفةٍ طائرةٍ أمريكية في الأجواء السعودية تعبيراً لا شك عن عمق التعاون العسكري و ربما لتمرير الرسالة أن الأجواء الخليجية تحت الحماية. و في الأثناء بالمقابل لم ترضَ السعودية الانصياعَ لضغوطٍ من أجل السماح لعصابةٍ صهيونية يقودها وزير مجرمٌ لحضور مؤتمرٍ دولي يُقامُ في السعودية. و هي إشارةٌ لم تتمكن واشنطن من انتقادها في ظل اتفاق بوينغ و تم تفسير هذا على أنه نكسةٌ للتطبيع الذي تريده الصهيونية مع السعودية تحديداً. على الجانب الإيراني تسربت أنباءٌ عن توقيع صفقةٍ لشراء طائراتٍ روسية مقاتلة من طراز سوخوي. العلاقات الإيرانية الروسية لا ينقصها ود لكن التوازن مطلوب حينما بيجين و ليست موسكو هي التي أتت بالاتفاق السعودي الإيراني. و اشتركت إيران بمناوراتٍ مع روسيا والصين في بحر العرب مما يعزز من مكانتها مع نِدَّيِّ واشنطن. بالطبع، تتجاوز مفاوضات صفقتي البيونغ و السوخوي تلك الفترة التي قضتها بيجين لتجمع الطرفين لكن إعلان الصفقات والمناورات ليس صدفةً. هي توازناتٌ في عالمٍ متشابك المصالح و بيانٌ أن لمل مقامٍ مقال. إذاً الاتفاق هو هذا: اتفاقٌ لإعادة علاقات كانت عاملةً في السابق، وبصعوبة، فإن عادت فستحتاج الكثير من العوامل المساعدة لتجتاز سنوات الشك و الاحتكاك و لتبني مستقبلاً مستقراً في منطقةٍ حيويةٍ للعالم و هو لا يعني قطيعةً مع أحد من الحلفاء للدولتين لكنه يعطي الصينَ مركزاً محسوداً لأنها جمعت البلدين.
قلنا و نقول أن مصلحة العرب هي في ترميم العلاقات الإقليمية، لكن بمعزلٍ عن الصهيونية. لذلك فإن اتفاق السعودية و إيران خطوةٌ في الاتجاه المصلحي الصحيح علي أن تتبعها إجراءاتٌ عملية إن كان الطرفان جادَّان في النوايا الحسنة، وهذه تتطلب وقتاً و جهوداً. لكن تصوروا مثلاً كنتيجةٍ لهذا الانفتاح إعادةَ العلاقات بين الأردن ومصر مع إيران. و تصوروا قمةً عربيةً تُعقدُ في السعودية بعد شهرين على وقعِ توازاناتٍ إقليمية لا تتسم بالعداء بقدر ما تتوسم الوفاق. قمةً تُعيد بالتمهيد و التعاون العربي ليبيا و سوريا و اليمن و ربما العراق و لبنان لاستقرارٍ مطلوب. تصوروا وفاقاً عربياً يتجاوز عقوبات قيصر و انسياب التعاون العربي التجاري دون ترددٍ أو إقفالِ حدودٍ. تصوروا موقفاً عربياً جامعاً يوازن مع إيران و تركيا؟ لكن السؤال هو هل تأتي التوافقات العربية منفردةً باقتناع العرب بالتوافق فيما بينهم؟ هل تأتي بها قمة السعودية؟ هل تقود التوافقات العربية لتوافقات إقليمية مع تركيا و الحبشة بمواضيع حياتية مثل تدفق المياه؟ أم أن التوافق العربي سيأتي عبر التوافقات الإقليمية؟ فرقٌ كبيرٌ بين توافقٍ مصدره اقتناعٌ عربي و توافقٍ لن يكون إلا إقليمياً. و السؤال المكرر هو هل هناك مصالح عربيةٌ مشتركة أم مصالح فردية تجُّبُ ما غيرها؟ و هل ستصدق إيران و تركيا في علاقاتهما مع العرب؟ و هل ستتركنا المصالح العالمية لنرسم سياسةً أو توافقاً حصريينِ بنا؟ أسئلةٌ لا تجد جواباً اليوم و بعضها واضح الإجابة.
ما من شك أنه بموازاة ما قد يكون انفراجاً فهناك الصهيونية التي لن تريدَ ثغراتٍ في مخطط إحكام الحلقات ليس فقط على إيران و لكن بإبقاءِ وتيرةً عاليةَ النبرة للتطبيع مع دول عربية وإسلامية. و قد تنجح. و سيكون هذا النجاح تخفيفاً ثقيلاً لقيمة الاتفاق السعودي الإيراني و التفاؤل الذي يُثارُ حوله. و يكفي ما قالهُ الرئيس بايدن أن الرد على الاتفاق السعودي الإيراني هو في توسيع الاتفاقيات الأبراهامية! لا يدع هذا مجالاً للشك أنه و إدارتهِ في الصف الصهيوني من النظرةِ للمنطقة. كما أن التأخر في انفراجاتٍ ملموسة ببؤر الأزمات المشتركة بين السعودية و إيران سيقول أن الاتفاق السعودي الإيراني يتعثر. هذا إن اعتقدنا أن من أهدافه تحقيق هذه الانفراجات. فعلى ضوء ما صرَّحَ به وزير الخارجية السعودي فأن لبنان يحتاج اتفاقاً داخلياً و ليس اتفاقاً بين السعودية و إيران، لذلك لا يوجد مبررٌ كبيرٌ للتفاؤل إقليمياً دون العوامل المساعدة و دون خطةٍ عربيةٍ تبدو لليوم في غيرِ واردِ المصلحة الكُبرى و أكثرَ اهتماماً بالأنا و فقط. و ربما كان هذا التصريح للتخفيف من التفاؤل و لحفظ خطوط الرجعة. لا ندري.
الواضح أنها أفلاكٌ متعددةٌ تحيط بالمنطقة و تتجاذبها و كل مكسبٍ لفلكٍ هو خسارةٌ لآخر تدعوه فوراً لعمل ما يلزم لتعويض خسارته. إنه قدرُ المنطقة منذ قديم الزمان و على وقعه تعيش. كانت فارس و روما و الحبشة و تبقى لحدٍّ ما هي هي مع اتساع الأفلاك. و نسألُ أما آن الوقت للفلكَ العربي أن يقوم من جديد، كما كان ذات مرة؟ بالتأكيد. لكن ما من مبادرةٍ واضحة أو حتى نِيَّةً بهذا الاتجاه. و هذا ما تقولهُ عذاباتُ الشعوب العربية المستمرةَ كل يوم. فقرٌ و بطالةٌ و هجرةٌ و تشريدٌ و خلخلةٌ ثقافيةٌ و انتمائية وأخلاقية تصيبُ المجتمعات و الأفراد، و دماءٌ تسيل.
دبلوماسي أُممي سابق