فجر اليوم //
الدكتور باسم خوري
يروى الرئيس الدكتور سليم الحص أنّ:” الله سبحانه وتعالى، عندما خلق لبنان، خلق كوارث لدى سكّان بلدان الجزيرة العربية الذين راحوا يشكون القهر والموت اليومي الذي تختزنه الحياة الصحراوية حيث الشمس الحارقة وشظف العيش والجفاف القاحل وقلة المطر. تعالت الأصوات والإحتجاجات ليل نهار وهم يتطلّعون بشوقٍ ومحبّة وغيرةٍ نحو الشمال حيث لبنان الأخضر الحلو الصغير بجباله المكسوة بالثلوج وسهوله الزاهرة وفصوله الأربع وكأنّه جنة الله الوحيدة في الأرض.
ما هذا التمييز؟ تراكمت الشكاوى وعظمت مشاعر التذمر فكان الحلّ السماوي بأن: “خلق الله اللبنانيين في لبنان فخرب لبنان وسكنته كوارث الأرض “.
الكارثة هم اللبنانيون، هذا الشعب المشابه للعشب الطري السريع اليباس يختزن بشاعات التشاوف ومطّ الأعناق واستيراد السلوك وحني الرؤوس أمام زعماء الطوائف والمذاهب والأحزاب والمتمولين لا فرق ليصبح أصغر مدير وأتفه موظّف في الدولة يتحكّم بالناس والرعايا ويصبح كلّ (….) يصدّق نفسه بأنه صاحب الأهلية التي تخلّص الجمهورية البغيضة من الجحيم فور جلوسه صنماً فوق كرسي القصر المهجور في بعبدا.
مضحكة رواية الحص لكنها تُدمي الأصابع والعينين والحبر والأجيال، لأنّ أشقاءنا من حولنا يحبّون لبنان بفلتانه وفوضويته وجنونه وفقدان هويته وساحاته أكثر منّا بعدما أصاب معظمنا الطاعون الذي جعل بلدنا صحارى طائفية قاحلة تمتدّ نحوها العقول والأيادي والشخصيات بالمبادرات والمساعدات والنصائح للخلاص من الخوف والحروب والإنقسامات، في زمنٍ تحدّق عيون البشرية إلى تحت نحو الإمارات العربية و”إكسبودبي” يحتشد فيها 86000 بني آدم من الدنيا رؤوساء وخبراء وأساتذة جامعات للبحث في كوارث المناخ في العالم تسمعهم الأبراج الشاهقة المضيئة المتّصلة بالنجوم فتنسج شبكات تواصلٍ حضارية في العلاقات الإقليمية والدولية تجذب براعة العالم وصداقته وتأتي به راكضاً زحفاً نحو حضن العرب.
مات لبنانكم ولو رأيتم رئيس حكومتكم يخطب في دبي نصّاً هناك ويميل برأسه ذات اليمين وذات اليسار!
نحن نشهد اليوم بالآذان والعيون كيف تُفتح القصور الدولية على مصراعيها أمام قادة العرب الشباب تتقدّمهم الجرأة والحرية يؤسسون ل: عصر النهضة العربية الثانية. نعم. قادة من شباب المنطقة العربية وكأنهم أبناء العولمة بل أسيادها يشقّون دروباً ويتطلّعون بحكمةٍ ويمتطون المستقبل نحو الجهات الأربع بل النواحي الست أعني الكرتين الأرضية والفضائية.
لن أخوض كثيراً في مسرى موت لبنان. أمس كنا نتابع ملايين المتظاهرين تتقدّمهم الصبايا والنساء، يخرجون رافضين بقوّةٍ لحكوماتهم كما للمنظّمات الدوليّة ولمعظم القوانين والأنظمة القديمة المُقعدة والعظمى في العالم. نزلوا إلى الساحات العامّة وأربكوا الحياة، واكتظّت السجون بالآلاف ، وجابت ملايين الشعارات والإعتراضات واللوبيات والتجمّعات و”الهاشتاغات” وجذبت العيون والآذان في الدنيا. تمكّن المتظاهرون من إرباك أنظمة الدول العظمى وتشاوف زعمائها وغطرستهم. قلبوا الحكومات ودفعوا المسؤولين إلى السجون أو الهرب وتقديم الإستقالات ووضع السرقات والثروات فوق الطاولات. هكذا نجح الطلاّب والشباب المتظاهرون من تغيير وجه “الجيوبوليتيكيا”، بما دفن العديد من الأحزاب والأفكار وخلع الزعامات التقليدية لمصلحة الأجيال الجديدة والحديثة التي أفرزتها التجمّعات المدنيّة والقوى الشبابية الناهضة التي بدت وتبدو متشابهة ، بعدما راجت “جرثومة” رائعة تنقل الحرية والتغيير والاقرار في الدنيا.
كان يمكنكم أيّها اللبنانيون رصد الفقراء والشباب والطلاّب والعمّال والأقليات المسحوقة والنقابيين والمهاجرين والنازحين واللاجئين في عواصم أميركا والغرب الأوروبي عبر مظاهرات وشعارات تدين السلوك العنصري والتمييز وطلب المساواة كحق دولي وإنساني وسياسي.
اتتذكرون افتتاح العقد الثاني من الألفية الثالثة بأضخم المظاهرات في أميركا في عهد باراك أوباما بولايتيه المنتهيتين وانتخاب دونالد ترامب الرئيس الأكثر إنفعالية وجدليّة وتبخيساً عنصرياً للآخرين وللدول الشرق أوسطية الغنية في تاريخ أميركا؟ لم يكن صعباً إلصاق أميركا بالصفات التي ذبلت فيها العلاقات الدولية المحكومة بالشفط والكسب بما عزّز التنافسات والتشنّجات الدوليّة في ال2008 مع أسوأ أزمة ماليّة ظهرت في القطاع العقاري وعمّت العالم كلّه وكأنّها نوع آخر من “الفيروس” الإقتصادي والمالي المرعب المشابه لسرعة انتشار الكورونا في ما بعد.
فقدتم المدخّرات التي أودعتمونها في المصارف وفي جيوب زعمائكم. تألّمتم وتتألمون كثيراً ومرضتم وتمرضون كثيراً ومُتّم وتموتون كل يوم كثيراً وحقدتم كثيراً بعدما هبطت رواتبكم، ورفعوا الضرائب وتفاقمت الأسعار والبطالة، وتدنّت المصاريف، وتراكمتم كتلاً من الفقراء والمعدومين والجائعين الذين أقاموا في خواء زوايا بلدهم أو في شركات وساحات العواصم العالمية وزوايا شوارعها وحدائقها تحلمون بلبنان الميّت، بعدما شلّ الإقتصاد ، بأشكال ونتائج وتداعيات مختلفة لكنها بلا قيامة.
وبقيتم سجناء المثلّث الأسود: رجال الدولة الأبديين وزعماء الأحزاب والطوائف وأصحاب المصارف وطبقات التجّار المتخمين والذين لا يشبعون ولا يسمعون، وبقيبتم وستبقون فوق أطباق الأنانية والطائفية والمذهبية والفردانية والتشاوف والسرقات وتغلّون كما الفئران الطائفية والمذهبية بأحضان زعماءٍ خربّوا بيوتكم وسرقوا أعماركم وفرّغوا لبنانكم من أجيالكم وبات لبنانكم وطناً للحرب وللدفن .
أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه
عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات النيابية