تقرير يؤكد الحاجة الماسّة للبيانات لفهم واقع الصحافة الرقمية عربيًا
فجر اليوم //
في التقرير الأخير للصحافة الرقمية الصادر عن معهد رويترز، بيانٌ للصحفيين والمهتمين باستطلاع أنماط استهلاك الأخبار على الإنترنت في نطاق واسع من الدول، يفيد في خلاصاته الأساسية بأن المجتمع الرقمي في 46 دولة يتعامل بعين الريبة مع ما ينتجه الصحفيون والمؤسسات الإعلامية، وينسلّ بشكل متزايد من إغراء التفاعل معها، مع رصد مستويات غير مسبوقة من الميل لاعتزال الأخبار برمّتها، أو الاكتفاء في أحسن الأحوال بالأخبار “الخفيفة” أو تلك التي تشتمل على حلول للمستخدمين ونصائح موسميّة لهم، في الصحة أو الرياضة أو التقنية أو السياحة أو الموضة والتعليم وغيرها، وضمن حالة عامة من الزعزعة واللايقين في عالم الصحافة اليوم.
الدراسة تحلل نتائج الاستطلاع واسع النطاق الذي شاركت فيه عينات تمثيلية في دول موزعة على ست قارات في المعمورة، مجمعين حسب العمر والجنس والمنطقة والتعليم وحتى حسب التوجه السياسي، علمًا أن البيانات في بعض الدول المشمولة في الاستطلاع، مثل كينيا ونيجيريا والهند، هي أكثر تمثيلًا في الواقع لمجتمع من مستخدمي الإنترنت من الناطقين بالإنجليزية، وهو ما ينوّه إليه التقرير بوضوح في القسم الخاص بالمنهجيّة المتّبعة، للإشارة إلى أن النتائج لا تنسحب بالضرورة على المستوى الوطني في تلك الدول.
يتحدث التقرير الذي استعرضنا بعض مخرجاته العامة في مقال سابق، عن انخفاض حاد في نسبة الأفراد الذين يستخدمون الشبكة للوصول إلى مواقع الأخبار أو تطبيقاتها بشكل مباشر، إذ بالكاد تتجاوز بحسب نتائج استطلاع العام 2023 نسبة 22 بالمئة، وهو ما يمثل انخفاضًا من عشر نقاط عن نتائج العام 2018. ثمة تباينات ضئيلة بين الدول المشمولة بالاستطلاع، لكنّ مجمل البيانات تشير إلى اتجاه يتراجع فيه الاهتمام بالأخبار، وتتضاءل الثقة بالصحفيين، ولاسيما بين الأجيال الأصغر سنًا، حتى في الدول التي أبدى المستجوَبون فيها اهتمامًا وثقة أكبر بالأخبار ومؤسساتها، مثل فنلندا وعدد من الدول الأخرى في أوروبا وأمريكا الشمالية. أما الاهتمام بوسائل الإعلام التقليدية، عبر التلفاز والصحف والمجلات الإخبارية المطبوعة، فاستمرّ بالتراجع أيضًا كما تؤّكده نتائج الاستطلاع. غير أنّ ما هو جدير بالوقوف عليه هنا هو أن هذا التراجع لا يقابله تزايد في الاهتمام بهذه الوسائل عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي.
من ضمن الملاحظات الأخرى التي تضمنّها التقرير، إشارة إلى أن غالبية مستهلكي الأخبار عبر الإنترنت في الدول المشمولة بالاستطلاع ما يزالون يفضّلون قراءة الأخبار، وليس مشاهدتها أو الاستماع إليها، وهو ما يدل على قوة الكلمة المكتوبة وهيمنتها المعتبرة في عالم الأخبار، وذلك ببساطة عائد إلى أن استهلاك النص أسرع من استهلاك المادة المرئية أو المسموعة، عدا عن أنها تمنح مستهلك الخبر قدرة أكبر على التحكم فيما يريد أن يصل إليه من معلومات.
من يملك البيانات يمسك بجزء من فهم الواقع (GETTY)
في التقرير الأخير للصحافة الرقمية الصادر عن معهد رويترز، بيانٌ للصحفيين والمهتمين باستطلاع أنماط استهلاك الأخبار على الإنترنت في نطاق واسع من الدول، يفيد في خلاصاته الأساسية بأن المجتمع الرقمي في 46 دولة يتعامل بعين الريبة مع ما ينتجه الصحفيون والمؤسسات الإعلامية، وينسلّ بشكل متزايد من إغراء التفاعل معها، مع رصد مستويات غير مسبوقة من الميل لاعتزال الأخبار برمّتها، أو الاكتفاء في أحسن الأحوال بالأخبار “الخفيفة” أو تلك التي تشتمل على حلول للمستخدمين ونصائح موسميّة لهم، في الصحة أو الرياضة أو التقنية أو السياحة أو الموضة والتعليم وغيرها، وضمن حالة عامة من الزعزعة واللايقين في عالم الصحافة اليوم.
يرصد التقرير ثلاثة اتجاهات أساسية في استهلاك الأخبار تتمثل في تراجع الثقة بالمنتج الصحفي، وتراجع التفاعل معه، مع حالة من الزعزعة واللايقين في عالم الصحافة
الدراسة تحلل نتائج الاستطلاع واسع النطاق الذي شاركت فيه عينات تمثيلية في دول موزعة على ست قارات في المعمورة، مجمعين حسب العمر والجنس والمنطقة والتعليم وحتى حسب التوجه السياسي، علمًا أن البيانات في بعض الدول المشمولة في الاستطلاع، مثل كينيا ونيجيريا والهند، هي أكثر تمثيلًا في الواقع لمجتمع من مستخدمي الإنترنت من الناطقين بالإنجليزية، وهو ما ينوّه إليه التقرير بوضوح في القسم الخاص بالمنهجيّة المتّبعة، للإشارة إلى أن النتائج لا تنسحب بالضرورة على المستوى الوطني في تلك الدول.
يتحدث التقرير الذي استعرضنا بعض مخرجاته العامة في مقال سابق، عن انخفاض حاد في نسبة الأفراد الذين يستخدمون الشبكة للوصول إلى مواقع الأخبار أو تطبيقاتها بشكل مباشر، إذ بالكاد تتجاوز بحسب نتائج استطلاع العام 2023 نسبة 22 بالمئة، وهو ما يمثل انخفاضًا من عشر نقاط عن نتائج العام 2018. ثمة تباينات ضئيلة بين الدول المشمولة بالاستطلاع، لكنّ مجمل البيانات تشير إلى اتجاه يتراجع فيه الاهتمام بالأخبار، وتتضاءل الثقة بالصحفيين، ولاسيما بين الأجيال الأصغر سنًا، حتى في الدول التي أبدى المستجوَبون فيها اهتمامًا وثقة أكبر بالأخبار ومؤسساتها، مثل فنلندا وعدد من الدول الأخرى في أوروبا وأمريكا الشمالية. أما الاهتمام بوسائل الإعلام التقليدية، عبر التلفاز والصحف والمجلات الإخبارية المطبوعة، فاستمرّ بالتراجع أيضًا كما تؤّكده نتائج الاستطلاع. غير أنّ ما هو جدير بالوقوف عليه هنا هو أن هذا التراجع لا يقابله تزايد في الاهتمام بهذه الوسائل عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي.
من ضمن الملاحظات الأخرى التي تضمنّها التقرير، إشارة إلى أن غالبية مستهلكي الأخبار عبر الإنترنت في الدول المشمولة بالاستطلاع ما يزالون يفضّلون قراءة الأخبار، وليس مشاهدتها أو الاستماع إليها، وهو ما يدل على قوة الكلمة المكتوبة وهيمنتها المعتبرة في عالم الأخبار، وذلك ببساطة عائد إلى أن استهلاك النص أسرع من استهلاك المادة المرئية أو المسموعة، عدا عن أنها تمنح مستهلك الخبر قدرة أكبر على التحكم فيما يريد أن يصل إليه من معلومات.
اقرأ/ي أيضًا:

تقرير رويترز للصحافة الرقمية 2023.. عالم أقل ثقة بالأخبار
وعلى الرغم من إمكان سحب هذه الملاحظات المذكورة أعلاه وغيرها مما اشتمل عليه تقرير معهد رويترز على المستخدمين في المنطقة العربية، إلا أنه ما تزال تحوجنا البيانات للتأكّد من شكل السلوك السائد في المنطقة العربية فيما يتعلق باستهلاك الأخبار والاهتمام بها، والوسائط الأكثر شيوعًا للوصول للأخبار بين المستخدمين، مع فهم أكثر دقة للاتجاهات العامة في المنطقة والاتجاهات الخاصة بكل إقليم أو حتى كل دولة. فنسبة 22 بالمئة المتعلقة بمن يصلون إلى الأخبار مباشرة عبر شبكة الإنترنت، رغم انخفاضها، إلا أنها تبدو بعيدة عمّا يمكن توقّعه في المجال الافتراضي عربيًا كما قد يجادل البعض، بالنظر إلى العديد من العوامل، سواء ما تعلّق منها بنسب الوصول إلى الإنترنت في عدد من الدول العربية، والتراجع المحتمل في نسب المهتمين بالأخبار، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بواقع الصحافة العربية وشكلها، وتعثّر التحوّل الرقمي في الصحف العربية، عدا عن التشوّه المتسارع لبيئة الإنتاج الصحفي واستهلاكه ضمن سياقٍ من التردّي السياسي وتقهقر الثقافة الديمقراطية وتعمق حالة الرقابة الشاملة وتقييد الحريات الصحفية والإبداعية في الفضاء العربي الرقمي.
في ظل هذا الشحّ المحبط للبيانات عربيًا حول أنماط استهلاك الأخبار رقميًا، يوفّر تقرير المؤشر العربي للعام 2022، والصادر عن المركز العربي للأبحاث والدراسات بعض الإضاءات المفيدة، والتي يمكن الاسترشاد بها في أثناء قراءة مؤشرات أخرى، كذلك الصادر عن معهد رويترز، لاسيما وأنه الأضخم من نوعه عربيًا على الإطلاق، بحجم عينة يبلغ 33،300 فردًا في 14 دولة عربية، ويتم إنجازه على نحو سنوي منذ العام 2011، أي سابقًا التقرير الأول للصحافة الرقمية لمعهد رويترز، والذي صدرت أول نسخة منه عام 2012 وشمل حينها 8 دول فقط.
يرصد المؤشر العربي منذ العام 2011 التزايد المطّرد في نسب مستخدمي شبكة الإنترنت في العالم العربي، من 42% في استطلاع عام 2012/2013 صعودًا إلى نسبة 77% في الاستطلاع الأخير للعام 2022، وهو ارتفاع ذو دلالة إحصائية لافتة، يتسق مع النمط العالمي المسجّل خلال الفترة ذاتها لارتفاع استخدام الإنترنت. من بين هؤلاء، أي مستخدمي الإنترنت، أفاد 98 بالمئة أن لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي نسبة مهمّة من منظور صحفيّ، وحريّ بالمعنيين الاهتداء بها بكل ثقة في أي تصور في هذا المجال، دون الاضطرار للاكتفاء بالانطباع العام بشأن هذا النمط السائد فعلًا في المجتمعات العربية، بل ومع القدرة على فهم الاختلافات الواقعة فيما بينها. ففي السودان مثلًا، تصل النسبة كما يسجلها المؤشر العربي إلى 92 بالمئة، بينما تبلغ في السعودية 95 بالمئة، وضمن معدل إجمالي يقف عند 98% بين المستجوبين في الدول المشمولة بالاستطلاع.
ثمة إضاءات أساسية أخرى في المؤشر يمكن الاستئناس بها لقياس توزع المستخدمين على المنصات المختلفة، مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتليغرام وواتساب، علمًا أن المؤشر لم يلتفت في تقريره الأخير إلى منصة تيك توك، رغم حضورها المتزايد الملحوظ في السنوات القليلة الماضية. يخبرنا المؤشر مثلًا أن نسبة من لديهم حساب على تويتر بين المستطلعة آراؤهم لا تتجاوز 34%، في حين تبلغ هذا النسبة 86% على فيسبوك، و81% على واتساب. أما تليغرام، فنسبة مستخدميه بحسب نتائج المؤشر تقف عن 30%. وفي حين أنه ليست لدينا بيانات بشأن استخدام المؤسسات الصحفية عربيًا لتليغرام وواتساب، إلا أن ثمة تفضيلًا عامًا لتطبيق تليغرام، على الرغم من اتجاهات التطبيق اليمينية، والإشكالات المرتبطة به على مستوى الخصوصية والتشفير التلقائي للرسائل، وتطور ميزة “القنوات” على واتساب، خاصة بعد التحديثات الأخيرة خلال العام الجاري. أما فيما يخص التباين بين فيسبوك وتويتر، فثمة اختلافات دالة بين الدول المشمولة في الاستطلاع، حيث ترتفع نسب استخدام تويتر في دول الخليج، لتصل إلى 67 بالمئة في الكويت، بينما تنخفض في دول أخرى، مثل تونس وفلسطين والسودان، وضمن تذبذب لافت في الاستخدام خلال الأعوام السابقة، تزامنت مع الحركات الاحتجاجية في المنطقة، قبل أن تنخفض من جديد وتصل لمستويات دنيا تم تسجيلها في بعض الدول العربية.
أمّا الجزئية الأهم فيما يخص الأخبار واستهلاكها عربيًا في الفضاء الرقمي، فهي تلك التي تشير إلى أن نسبة من يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الأخبار لا تتجاوز 7%، وهي نسبة تمثل تباينًا كبيرًا عن النسبة التي سجلها تقرير رويترز للصحافة الرقمية، والتي تبلغ 22 بالمئة من المستخدمين. أمّا الاهتمام الذي سجّله المؤشّر بالموضوعات السياسية بين المستطلعين العرب على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بلغ 18%، وهذه نسب ذات دلالات عديدة لا يمكن عزلها عن التحوّلات العميقة التي تشهدها المنطقة العربية.
من يملك البيانات يمسك بالوجهين
في المقابل، فإننا ما زلنا نفتقر إلى بيانات أساسية وأولية، تعنى بشكل مباشر بتتبع سلوك المستخدمين العرب فيما يخص الأخبار في الفضاء الرقمي، على مستوى التفاعل معها بنشرها أو التعليق عليها، أو التفاعل السلبي الحائم حولها، كالاكتفاء بالقراءة مثلًا أو إعادة المشاركة عبر السوشال ميديا، أو إذا ما كان ثمة أنماط من الإهمال العام للأخبار واعتزالها، يؤكّد ما يرصده تقرير رويترز للصحافة الرقمية، والذي سجل نسبة اعتزال للأخبار بلغت 47 بالمئة بين عموم المستجوبين، وربما قد تكون أعلى عربيًا كما قد يجادل البعض، ومن بينهم كاتب هذه السطور، وللأسباب العامّة التي يساعد المؤشّر العربي مثلًا في تقديرها، ومن بينها مثلًا أن أكثر من نصف المستطلعين في العام الماضي أفادوا بأن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ، اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. لكن ذلك لن يعدو عن كونه ضربًا في الغيب، إذ قد تشير البيانات لو توفرت إلى اتجاه آخر، نظرًا لمتغيرات أخرى في المنطقة العربية من تزايد في نسب الولوج إلى الإنترنت، والتراجع في الأمية، والتركيبة العمرية الفريدة في المنطقة العربية.
بعد نشر معهد رويترز للصحافة تقريره الأخير الشهر الماضي، تواصلت شبكة “التراصوت” مع المؤسسة رسميًا عبر الإيميل، استفسارًا عن استمرار غياب المنطقة العربية عن الاستطلاع منذ العام 2012. وصلنا ردّ أولي من طرفهم، فيه وعد بتقديم تعليق على المسألة من أحد المساهمين في إعداد التقرير. انقضى شهر كامل على هذا التواصل، وما نزال بانتظار الرد، ومعرفة ما إذا كان لدى المؤسسة خطط مستقبلية لتغطية المنطقة في تقاريرها القادمة. لكن حتّى يحين ذلك، فإنه يجدر التفكير الجادّ عربيًا بتوفير هذا النطاق المطلوب من البيانات حول الصحافة وأنماط استهلاكها في الفضاء الرقمي عربيًا، والاعتماد عليها بقدر أعلى من الثقة عند وضع إستراتيجيات النموّ على منصات التواصل الاجتماعي، أو تطوير الأشكال الجديدة من المحتوى الصحفي والخبري، وتحسين العائد على الاستثمار فيها. قد يساعد ذلك أيضًا على تحسين فرص الوصول للمادة الخبرية وإنعاش تفاعل المستخدمين معها مع عكس لاتجاهات الاستهلاك السلبي للأخبار لو وجدت، ومقاومة التأثير الطاغي للأخبار “الخفيفة” (soft news)، وتجديد الثقة بالمحتوى النصّيّ وفهم مدى حاجة المستهلكين إليه عربيًا، دون التسليم المطلق لهيمنة الصورة والفيديو ودعاوى انتهاء عصر الكلمة المكتوبة صحفيًا أو تراجعها، ومع الأخذ بالاعتبار لأهمية تعزيز القيمة الرمزية للمنتج الصحفي المهني المرتبط بقيم التحوّل الديمقراطي والخدمة العامة والتثقيف ومقاومة التطرّف والاستبداد والنزعات الشعبوية والعنصرية.
تتعدد الإفادات البحثية التي ندين بها للمؤشر العربي بنسخه المتعددة طوال السنوات الماضية، وربما يكون على رأسها ترسيخ القناعة بأنه حريّ بنا نحن أن نوفّر ما نحتاج إليه من بيانات وأن نجري الأبحاث الاستطلاعية المنهجية التي تساعد المؤسسات الصحفية والإعلامية والباحثين في الحقل الصحفي والعاملين فيه عبر توفير بيانات تمثيلية وصادقة تعين على تحليل اتجاهات السلوك العام بخصوص التعامل مع الأخبار واستهلاكها رقميًا وفهم اتجاهات الثقة بالمؤسسات الإعلامية والصحفيين، وفهمها والاستفادة من ذلك في رسم الخطط وتطبيقها، أو حتى توجيه الاهتمام بالاتجاهات الناشئة والتنويه إليها، بدل الاكتفاء بالاستئناس بنتائج استطلاعات لا تعنى بالمنطقة العربية ولا تمثلها، وسحبها وإسقاطها على السياق العربي، كما يحصل مثلًا عند مقاربتنا لمنصات ناشئة، مثل “تيك توك” أو “ثريدز”، أو تحمسنا لأشكال جديدة من المحتوى، مثل البودكاست، أو ارتباكنا أمام تقنيات جديدة كالذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة الضخمة.
ربما قد يجادل أحدنا، محقًا، بأنه ليس من الراجح وجود اختلافات كبيرة بين الاتجاهات الذي رصدها تقرير رويترز في المجتمعات الرقمية ضمن 46 دولة معظمها ناطق بالإنجليزية، وبين اتجاهات المستخدمين العرب، وربما يكون هذا صحيحًا فعلًا، باعتبار القواسم المشتركة بين مستخدمي الإنترنت لاسيما بين الفئات العمرية الأصغر سنًا، والتأثير العام للمنصّات المشتركة المعولمة وخوارزمياتها، والحالة العامة من تراجع القيم الديمقراطية وصعود الشعبوية وتدهور الحريات المدنية في قسم كبير من دول العالم. إلا أن التقدير والقياس لا ينفي الحاجة إلى الأدلة البيانية، كما أن الاختلافات قائمة ومعتبرة ولا يمكن إهمالها والتغاضي عنها، حتى بين الأسواق التي رصدها تقرير معهد رويترز، فكيف بما يمكن أن يتكشف من اختلافات بين المستخدمين في المنطقة العربية مقارنة بسواهم في دول ديمقراطية أو متقدمة أو أكثر نموًا، ناهيك عن الاختلافات التي قد نجدها بين الدول العربية ذاتها، من منطقة الخليج والمشرق والمغرب العربيين أو منطقة وادي النيل.