عطوان : هل ستعود العلاقات السورية السعودية وتُفتح السفارات بعد عيد الفطر؟ ولماذا لعبت المخابرات الدور الأبرز في هذا الإنجاز؟ وما هي “كلمة السر” التي تفسر هذا التقارب؟ ولماذا كانت قطر والكويت الاستثناء الخليجي؟
عبد الباري عطوان // فجر اليوم//
اذا صحت الانباء التي بثتها وكالة الانباء العالمية “رويترز” نقلا عن ثلاثة مصادر عن التوصل الى اتفاق بين سورية والمملكة العربية السعودية لإعادة العلاقات وفتح السفارات بعد عطلة عيد الفطر المبارك، وهي تبدو أنباء صحيحة، فإن هذا الإنجاز يشكل صفعة قوية للولايات المتحدة وتبديد كل الاحلام الإسرائيلية بضم المملكة الى مسلسل التطبيع واتفاقات ما يسمى بمنظومة “سلام ابراهام”، وتزايد احتمالات العودة للعمل العربي المشترك.
العقبة الرئيسية التي كانت تقف في طريق عودة العلاقات بين البلدين، هي العلاقة السورية القوية مع ايران، ورفضت القيادة السورية عروضا بعشرات المليارات لقطعها، ولكن الآن، وبعد اتفاق بكين بين السعودية وايران، وتوجيه المملكة دعوة رسمية الى الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض، زالت هذه العقبة كليا، وربما باتت السعودية الآن اقرب الى محور المقاومة وعمقه الصيني الروسي من منظومة مجلس التعاون الخليجي، وركيزتها الامريكية التي بدأت تفقد صلاحيتها.
التقارب السعودي السوري لم يكن وليد الساعة، وانما يعود الى عدة سنوات مضت، وكانت البداية عام 2017 عندما فكت السلطات السعودية ارتباطها كليا مع المعارضة السورية، وأغلقت مكتبها، وطلبت من كل العاملين فيه، بما في ذلك رئيسه مغادرة البلاد، وتلى هذه الخطوة سماح الرياض في أيلول (سبتمبر) 2020 بمرور شاحنات البضائع السورية عبر أراضيها الى الخليج، وبعد ذلك فتح خط جوي عبر خطوط “أجنحة الشام” السورية بين الرياض ودمشق في كانون اول (ديسمبر) عام 2020، وجاءت زيارة السيد محمد مرتيني وزير السياحة السوري الى الرياض على رأس وفد كبير للمشاركة في اجتماع لمنظمة السياحة العالمية، أحد أبرز مؤشرات الانفتاح المتدرج، لكن الإختراق الأكبر جاء في شهر آيار (مايو) عام 2021 عندما كشفت هذه الصحيفة “راي اليوم” عن مباحثات أمنية سعودية إيرانية في دمشق، مثل الجانب السعودي فيها الجنرال خالد الحميدان رئيس المخابرات، والسوري اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن السوري، وتكللت هذه اللقاءات السرية باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد للجنرال الحميدان والوفد المرافق له.
***
من المفارقة ان هذا التطور الجديد في العلاقات السعودية السورية جاء هذه المرة من الرياض، وبعد محادثات جرت لعدة أيام بين مسؤول استخباراتي سوري كبير يُعتقد انه الجنرال حسام لوقا ونظيره السعودي الحميدان، ومن المتوقع ان يتم إعلان إعادة فتح سفارتي البلدين اثناء الزيارة المتوقعة لدمشق للأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في الأيام القليلة المقبلة، وقد مهدت السلطات السعودية لهذا التقارب بإقامة جسر جوي لإيصال المساعدات الى ضحايا الزلزال الأخير، وكان منظر طائرات الشحن السعودي في مطارات دمشق وحلب واللاذقية المحملة بالأغذية المعدات الطبية والأدوية لافتا ومبشرا.
الأمير الفرحان عبر عن هذه السياسات الجديدة الإنفتاحية تجاه سورية في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو عندما قال “المملكة تؤكد على أهمية استمرار جهودها الرامية لحل الازمة السورية بما يكفل أمن الشعب السوري وحمايته من المنظمات الإرهابية، والميليشيات الطائفية التي تعرقل الوصول الى حلول حقيقية تخدم الشعب السوري الشقيق”.
جميع هذه التطورات الدبلوماسية المتسارعة ما كان لها ان تتحقق الا بعد حدوث تغييرات جذرية في السياسات السعودية، أبرزها إدارة الظهر بشكل لافت للولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما، بعد التوصل الى قناعة لدى القيادة السعودية بأن العصر الأمريكي يقترب من نهايته لمصلحة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بقيادة الثنائي الصيني الروسي، وكانت زيارة الرئيس الصيني تشي جين بينغ للرياض أواخر العام الماضي، ووساطته للتوصل الى الاتفاق السعودي الإيراني وإحتضان توقيعه في بكين، وتبني السعودية لاتفاق “أوبك بلس” مع الرئيس بوتين، تحديا للرغبة الامريكية، العناوين الأبرز لهذه التغييرات السعودية الاستراتيجية.
قمة الرياض العربية المتوقعة بعد عطلة عيد الفطر المبارك، قد تكون قمة عودة سورية الى الجامعة العربية، والعمل العربي المشترك، وبداية نظام عربي جديد يستند الى الثوابت العربية، وحل جميع الخلافات الراهنة او معظمها على الأقل، والتركيز على القضية العربية المركزية، أي القضية الفلسطينية، او هكذا نأمل.
قانون قيصر الأمريكي الذي يجسد جريمة العصر بحصاره الشعب السوري وتجويعه بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومعركة إعادة الاعمار باتت على وشك الانطلاق، وزيارات الرئيس السوري لكل من مسقط وأبو ظبي، هي البداية، ولا نستبعد ان تكون الرياض هي المحطة القادمة لهبوط طائرته بعد أكثر من 11 عاما من القطيعة.
***
صمود سورية وجيشها العربي، وشعبها، والإدارة الذكية الشجاعة لقيادتها في التصدي لمؤامرة التقسيم والتفكيك الامريكية الإسرائيلية التركية، والتمسك بالكرامة والقيم العربية والإسلامية الحقة، والعض على النواجذ، والصبر الاستراتيجي طويل النفس، كلها عوامل لعبت دورا كبيرا في كسر الحصار، وإحداث هذه المتغيرات العربية والإقليمية الحالية التي نرى ارهاصاتها بكل وضوح.
النظام العربي الرسمي يعود الى سورية، وسورية الكاظمة للغيظ تعود الى حاضنتها العربية الحنون، والتائبة، باستثناء حكومتين خليجيتين (قطر والكويت) والمملكة المغربية، وندعو الله لهم بالهداية، والعودة الى المنطق والثوابت، والالتحاق بالركب وقبل فوات الأوان.
الرئيس السوري بشار الأسد، وفي ذروة الحرب، وعندما كانت قوات المعارضة المسلحة المدعومة أمريكا والممولة عربيا، على أبواب دمشق، وبضع خطوات من القصر الجمهوري، قال كلمة شهيرة “ثمن الاستسلام أكبر بكثير من ثمن الصمود”، وها هي الوقائع والمتغيرات على الأرض تؤكد صدق هذه المقولة.