الشهيد «الرزامي» … جسد معاني الوفاء و كسر أنوف المعتدين في قمم جبال الرزامات
فجر اليوم //
بقلم أحمد الرزامي ..
كانت الحرب الثانية في أوج احتدامها، وفي يوم 2005/4/11 أمر العدو تفخيخ وتفجير المنزل الذي كان فيهِ الشهيد « عبد الله مسعد الرزامي» وفي مشهدٍ بطولي فارق الشهيد الحياة وارتقى إلى ربهِ مجاهدًا قوى العدو المتمثلة بـ النظام الحاكم آنذاك ، والتي شنت هجمة عدائية شرسة على مديرية الصفراء بمنطقة مشكور عزلة الرزامات بمحافظة صعدة.
في تلك اللحظات الاستبسالية، لم يكن وقتها منزل عم الشهيد «علي هادي الرزامي» خاليا من البشر، بقدر ما كان ممتلئًا بالمجاهدين والجرحى، وقد استشهدوا جميعا في مشهدٍ دمويٍ فاجعٍ لا شبيه له، وعلى سبيل الصدفة نجأ أحد المجاهدين ونفذ بجلدهِ من بين النيران المستعرة، وهو المجاهد « أحمد مزروع» ..
في الشهيد
«أحمد مزروع» يكمل القصة قائلًا :” لم يكتفوا وقتها بتفجير المنزل بمن فيه من المجاهدين الأبطال بل قاموا بعد تفجيره، بحفرهِ وردمهِ بالشيول والالات الثقيلة، مدعين بوجود سرداب «نفق» من ذلك البيت الى جبل المصنعة البعيد عنه بمسافة 4 كيلو شمالا، ومعتقدين أيضًا بهروب الشيخ المجاهد «عبدالله عيضه الرزامي» والعلم الرباني «بدر الدين أمير الدين الحوثي» من هذا النفق.
حياته ونشأته
ولد الشهيد « عبدالله مسعد الرزامي» في مدينة ( نجران، وادعة ) عام 1966م، وترعرع في أسرة لها ثقلها في العلوم الدينية والفقهية، وفي نجران درس هناك المرحلة التعليمية الابتدائية في مدرسة «سعد بن ابي وقاص» ليكمل المرحلة الاعدادية والثانوية من مدرسة «ثانوية الفارابي» وكان طالبًا بارًا بوالديه واخوانه، مثلما كان سريع البديهية ذكيًا نجيبًا وشخصية اجتماعية وعملية.
ولما حملهُ الشهيد «عبدالله مسعد الرزامي» من صفات خلقية واخرى مكتسبة علميًا، فقد عمل مع بنك الراجحي ما يقارب 3 سنَوات، وحظي بمكانة راقية في عمله، حتى شهد له الجميع بالكفاءة والتفاني في أداء عمله واحترام زملائه .
علاقتهِ مع أخواله وآل البيت
لم ينقطع «عبد الله مسعد الرزامي» عن أهله، فقبل أزمة الخليج قام بزيارة الى اهلنا في اليمن منشدا بربعهِ وقبيلته، كما تعلق قلبهُ بأخواله، وكان خالهُ الشيخ العلامة «عبدالله عيضه الرزامي وخالهُ علي عيضه الرزامي» هم الأكثر قربا إلى روحه، ومثلما كان ولا يزال خالهُ العلامة المجاهد «عبدالله عيضه الرزامي» متميزًا بحبهِ وولائهِ لاهل البيت وزياراتهم فقد كان هو أيضا متعلقا بخالهِ تعلق منقطع النظير.
كان «عبدالله مسعد الرزامي» ذا مكانة عالية عند خالهِ العلامة المجاهد عبدالله عيضة الرزامي، فتعرف من خلاله على العلمين العالم الرباني بدر الدين الحوثي وابنه السيد القائد المؤسس حسين بدر الدين … ترك الشهيد العمل في بنك الراجحي بعد نصيحة تلقاها من خاله الشيخ عبد الله عيضة الرزامي كون العمل فيه كان مشبوهًا بالربا، فترك البنك وعزم السفر الى اليمن ليكمل تعلميه الجامعي، مرافقًا مع خالهِ «عبدالله عيضه الرزامي» في فترة التسعينات من القرن الماضي، وتحديدا حين كان عضوًا في مجلس النواب اليمني هو ورفيقه السيد حسين بدر الدين الحوثي.
تأثر بهم تأثرًا كبيرا، ورافقهم في دارسته حتى تخرج من جامعة صنعا۽ وعمل مدرسًا، وعاش في صراع من ذلك الوقت الى ان جأت فترة دراسة المراكز الصيفيه في ذلك الوقت، أوكل عبدالله وقتها بالكثير من المهام والمسؤوليات التي كان يقوم بها الى أن جاءت مرحلة رفع الشعار وما حملتهُ من أحداث جسام تحمل مسؤوليتها القياديين « الرزامي والحوثي» .
بطولة الشهيد مع رفاقه
كان الشهيد « عبدالله الرزامي» أحد السباقين في تلبية الدعوة التي تلقاها من خاله العلامة« عبدالله عيضة الرزامي » برفع الشعار والجهر بهِ مستجيبين بذلك لما دعاهم اليهِ السيد حسين بدر الدين الحوثي، ورفع الشعار في ( مران والرزامات) في آن واحد، وكان ممن صرخو في أول جمعه رفُع فيها الشعار ولحقهُ من الأذى مالحق انصار السيد حسين بدر الدين، تهديدات وقطع رواتب ومضايقات هنا وهناك، لم يتوقف الأمر عند هذه النقطة فقد شارك الشهيد عبد الله مسعد الرزامي في حراسة وتأمين العلامة «بدر الدين بن امير الدين رحمهم الله جميعا » في الرزامات، حتى جاءت الحرب الأولى والتي كان كان ضمن أول مجموعة اقتحمت معسكر كهلان وبعض النقاط العسكرية بمحافظة صعده، بقيادة الشهيد علي عيضه الرزامي وبتوجيه من الشيخ القائد عبد الله عيضه الرزامي، والتي كان هدفها تخفيض الضغط على السيد حسين بدر الدين عليه السلام.
شارك الشهيد «عبدالله مسعد الرزامي » في عدة غزوات واقتحامات واشتباكات مع القوات النظامية آنذاك، فجعل من بيتهِ مستوصفًا طبيًا للجرحى، واخرج عائلته الى منزل خاله وبعد فترة من الزمان عاد مع عائلتهِ الى البيت للأهتمام بالجرحى، وفاتحًا نصف بيتهِ لأسر المهاجرين الذين كانوا يهاجرون الى الرزامات في تلك الفتره كـ الشهيد محمد حسين الطالبي وعائلته والحاج عبد الله وعائلته، حتى انتهاء الحرب الأولى وما حدث فيها من أحداث مؤلمه حمل الرجال فيها أعتى مظلومية لم تتعرض لها جماعة كما تعرضوا لها.
مرت الأيام وجاءت الحرب الثانية، التي تقلد فيها الشهيد «عبدالله» مهام كثيرة في الأمن والجهاد والمقاومة، وفي جبل القواري اشتدت المعارك، وقاتل الشهيد فيها قتال الابطال كما شهد له زملائه في المعركة.
ترجل الشهيد من صهوة الحياة
يروي أحد زملائهِ تفاصيل المعركة وما صدره الشهيد عبد الله مسعد الرزامي قائلاً : ( كان الشهيد يطلق النار من بندقيتهِ حتى أحرق يدهُ و تكسرت خشب البندقية، وفي اليوم الأخر صعد الشهيد إلى متن دبابة العدو ولم يعرف كيف يتعامل معها أو ينفذ إليها، كون معدات القتال التي كانت مع المجاهدين محدودة التعامل، عشرة أيام بلياليها قاتل المجاهدين فيها قتال الابطال وصمدوا وهم محاصرين من كل صوبٍ وحدب، قلت المؤوونة واكتفى المجاهدين بالقليل من التمر المدخر لديهم منذ ايام، فكانوا يسدون رمقهم ببضع تمرات حين يشتد الجوع والحصار عليهم ، سقط العديد من المجاهدين شهداء ولم يتبقى سوى خمسة أو أربعة منهم انسحبوا الى تحت الجبال في الأيام الأخيرة، وكان الشهيد يقاتل من جوار مسجد الرحمة في الرزامات وقبل انتهاء الحرب بيوم أصيب بطلقة معدل عيار 23 في رجله ما أدى إلى بترها بالكامل، لينقل الى بيت عمه «علي هادي الرزامي» وقد كان البيت مكدس بالجرحى والمصابين.
وهناُ وفي اليوم الثاني زحفت قوات العدو وحاصرت المنزل بمن فيه من المصابين والجرحى، في تلك اللحظات المأساوية كانت اصوات العدو تدعو من في المنزل بالتسليم، الأمر الذي قال فيه الشهيد عبدالله لزملائهِ مقولته الشهيرة : ( عندما اقترب النصر نسلم انفسنا فهذا مستحيل ولم يكن مطلبهم من اول يوم الا أن نُسلم انفسنا والتخلي عن السيد والشعار وهذا هو المستحيل ) ورفض تسليم نفسه ولم يتوقف عن حث اصحابهِ على عدم تسليم انفسهم وعندما يأس العدو اراد اضعاف معنوياتهم بنشر اخبار كاذبة و إشاعات تزعم مقتل «السيد بدر الدين وعبد الله عيضه الرزامي» الأمر الذي رد عليهم الشهيد «عبد الله مسعد الرزامي» قائلًا ( إذا كانت قياداتنا ممثلة بـ السيد بدر الدين والسيد عبد الملك بدر الدين والوالد عبد الله عيضه الرزامي قد استشهدوا فماذا نعمل بالحياة، يا رفاق من أراد أن يستسلم فالله يكون معه، فما كان جواب رفاقهِ إلا نفس جوابهِ وقاتلوا واستبسلوا حتى نكلوا بالعدو أشد تنكيل إلى أن جاءت اللحظات الأخيرة التي عجز العدو فيها عن المواجهة وقاموا بهدم المنزل بتلغيمهِ من الأربع الجهات بالآلات الثقيلة بمن فيه من الجرحى والمصابين في مشهدٍ مأساويٍ مؤلم ارتقت فيه روح المجاهدين إلى خالقها وترجل الشهيد البطل « عبد الله مسعد الرزامي» من صهوة الحياة ملاقيا ربه ببطولة لا تناظرها أي بطولة.
توالت الأحداث إلى أن جاء العام 2011، حين تمكن المجاهدون بقيادة الشيخ المجاهد «عبدالله عيضة الرزامي» من انتشال الجثث من بين الانقاض والتي كان من بينها جثة الشهيد «عبد الله مسعد الرزامي» وجثث أخرى كانت قد دفنت في أماكن متفرقة تم انتشالها ونقلها جميعا إلى روضة الشهداء في الرزامات.
رحل الشهيد «الرزامي» جسداً وبقيت روحيتهُ مع الكثير ممن أعدهم وبناهم ليواصلوا المشوار، ولترسم لنا حياتهُ واستشهاده ملحمةً من البذلِ والعطاء ممزوجةً بالصبر والإيمان متوجةً بالنصر والتمكين….