الصين تستعرض قوتها عالمياً بقواعد عسكرية في أفريقيا
الصين تستعرض قوتها عالمياً بقواعد عسكرية في أفريقيا
منذ اكتمال أول قاعدة عسكرية صينية على أراضي جيبوتي، أصبحت جهود إنشاء قواعد عسكرية لبكين في الخارج موضع اهتمام وتدقيق دولي كبير.
وكشف تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن استكمال أول قاعدة عسكرية خارجية صينية بأفريقيا عام 2017، ثم استثمار بكين في قاعدة عسكرية كمبودية تستخدمها بشكل حصري، تدعم جميعا الإدراك بأن التنين الصيني يمضي قدما بشكل ممنهج في تحسين قدرته على استعراض القوة عالميا.
ويعد فك شفرة المكان الذي تخطط بكين لرفع علمها عليه أمرًا صعبا لأنها معادلة ديناميكية؛ حيث تضع في الاعتبار أهدافها وكذلك الدولة المضيفة، إلى جانب استعداد الأطراف المعنية للتعامل مع التساؤلات الإقليمية والدولية وردود الفعل العكسية.
وبحسب التحليل فإن إحدى المناطق التي تبدو فيها هذه الحسابات مواتية للصين هي إفريقيا، حيث إن عدم جود أدلة مرئية ومتاحة بشكل عام على التقدم الصيني في إنشاء القواعد في القارة السمراء أجج شكوكا، مع ترجيح بعض المعلقين أن القلق بشأن هذه الجهود مبالغ فيه.
وهذا أمر مفهوم، لكنه يغفل الطبيعة السرية والجداول الزمنية المهمة المرتبطة بالمفاوضات الدبلوماسية والعسكرية، بحسب التحليل.
لافتا إلى أنه يجب النظر عن كثب وفهم أن الصين لديها نهجا صبورا وطويل المدى لتحقيق طموحاتها العسكرية العالمية.
ووضعت الصين اللبنة الأولى لهذا الأساس عام 2004، عندما كشف الرئيس –آنذاك- هو جينتاو عن مفهوم “المهمة التاريخية الجديدة”، التي تدعو لدور عالمي أكثر لجيش التحرير الشعبي لتمكينه من تنفيذ “مهام عسكرية متنوعة”.
وربما كان إجلاء بكين غير المتوقع لأكثر من 35 ألف صيني من ليبيا التي مزقتها الحرب أوائل عام 2011، بمثابة تنبيه منها فيما يتعلق بكيف سيحتاج جيش التحرير الشعبي لدعم تلك الطموحات العالمية الأوسع نطاقا.
ثم اكتسب معنى أكبر بعد إعلان 2013 عن مبادرة الحزام والطريق، والتي تمثل جهدا صينيا طموحا لإنشاء مسارات جديدة للتجارة لربط بكين بباقي العالم.
ومع اكتساب المصالح الاقتصادية الصينية طابعا عالميا أكثر، ازدادت أهمية جيش التحرير الشعبي في تأمين تلك المصالح.
وحددت الورقة البيضاء للدفاع الصيني الصادرة عام 2015 للمرة الأولى حماية “المصالح الخارجية” على أنها “مهمة استراتيجية” لهذا الجيش.
ثم في عام 2019، أكدت الورقة البيضاء أن جيش التحرير الشعبي يعمل بنشاط على تطوير “منشآت لوجيستية خارجية” من أجل “معالجة أوجه القصور في العمليات الخارجية والدعم” في حالات الطوارئ بما في ذلك “عمليات الإجلاء بالخارج”.
وفي السياق الصيني، تتمتع وثائق الورقة البيضاء بسلطات كبيرة وتعمل على إيصال استراتيجية الصين إلى الجهود الداخلي والخارجي ونواياها بشأن جيش التحرير الشعبي مع تحولها إلى قوة عالمية.
وفي الواقع، وكما أشار تقرير صدر مؤخرًا لوزارة الدفاع الأمريكية بشأن الجيش الصيني، يرجح أن بكين وضعت في اعتبارها 13 دولة من أجل القواعد العسكرية، من بينها: أنجولا، وكينيا، وسيشل، وتنزانيا، بالإضافة إلى كمبوديا.
ومنذ أواخر العام الماضي، رفض مسؤولو الحكومة الصينية التعليق عندما أوردت صحف أمريكية خططا سرية لتطوير قواعد في كمبوديا. وعندما ردت بكين، كان استخدام عبارات مثل “أعمال تنمر” و”تكهنات خبيثة” بمثابة الروايات المضادة المفضلة.
ورأى التحليل أن النفي منطقي؛ لأن الصين تهتم بكيف ينظر إليها العالم، لاسيما وأن تحديث جيشها ونموه لا يمكن إنكاره، لكن بكين تفضل دعم رؤية أكثر نعومة لدورها العالمي، حيث تكون التنمية السلمية، وليس التوسع العسكري، هو الموضوع الرئيسي.
وكانت التنمية، والحوكمة العالمية، والتعاون بمجال الطاقة الخضراء، والاستثمار، والسلام، وغيرها من النتائج التي تحقق مكاسب لجميع الأطراف، بين الموضوعات الواردة في رؤية 2035 للتعاون الصيني الأفريقي، التي نشرت بعد منتدى التعاون الصيني الأفريقي العام الماضي في دكار، العاصمة السنغالية، وليس من الغريب أن القواعد العسكرية لم تذكر.
وتسلط مسألة كمبوديا الضوء على نقطة رئيسية تتمثل في أن إنشاء القواعد يستغرق وقتا. ففي عام 2019، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية بأن الصين وكمبوديا توصلتا لاتفاق سري لتحديث قاعدة ريام البحرية.
وبعدها بثلاثة أعوام، وفي يونيو/حزيران عام 2022، استضاف البلدان حفلا لوضع حجر الأساس، مع التخطيط لتحسينات جديدة بالبنية التحتية لمنشأة تابعة للقاعدة.
وفي هذا الشأن، يعتبر الوقت أفضل حليف للصين لأنه يسمح لأحداث أخرى بتشتيت انتباه العالم بينما تعمل بكين بطريقة ممنهجة على توسيع مدى وصول جيش التحرير الشعبي.
وأشار التحليل إلى أنه يجب على الولايات المتحدة التحلي بالصبر واليقظة، معتبرا أنه من السذاجة الاعتقاد أن الصين، عند الضغط عليها بشأن نواياها الحقيقية، ستكون شفافة.
كما أوضح أن الاعتقاد بأن الصين، التي تتحدث عن المكان الذي تريد التواجد فيه عسكريا في 2050، ستقنع بالقواعد في كمبوديا وجيبوتي، يمثل وجهة نظر قاصرة، وربما الأمر الأكثر أهمية، أن يكون لأكثر المتأثرين بأفعال بكين، تحديدا دول غرب أفريقيا، رأيا فيما إذا كان هذا ما يريدونه لأمنهم في المستقبل.
واختتم التحليل بالقول إن الصمت واللامبالاة سيضمنان أن تصبح القواعد الصينية مسألة وقت وليست احتمالا.