وسط تواصل الخلافات بين الجزائر وباريس، تتباين آراء وزراء حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن مستقبل اتفاقية الهجرة الموقعة بينهما في العام 1968.
فقد أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نوال بارو، صعوبة إلغاء الاتفاقية، مضيفا أن السياسة الخارجية هي “تحت سلطة رئيس الجمهورية”.
وأشار الوزير الفرنسي في حوار مع قناة “بي أف أم تيفي”، الاثنين، إلى أن “كل شخص حر في تقديم مقترحاته، إلا أنه في وزارة الخارجية وتحت سلطة رئيس الجمهورية يتم تشكيل السياسة الخارجية الفرنسية”.
وأضاف معلقا على دعوات إلغاء اتفاقية الهجرة مع الجزائر “لا يخفى عليكم أنه تم تعديل الاتفاقية عدة مرات، وهي تتضمن مزايا لبعض الجزائريين وعيوبا للآخرين”.
وخلص بارو إلى التأكيد على أنه “ليس من السهل إلغاء الاتفاقية وإلا كنا علمنا بذلك”.
جاء هذا عقب ساعات من دعوة وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، إنهاء العمل بالاتفاقية التي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في السفر والإقامة والعمل بفرنسا.
وقال الوزير “هذا الاتفاق عفا عليه الزمن وشوه الهجرة الجزائرية. ليس هناك أي مبرر لوجوده، ويجب إعادته إلى طاولة البحث”.
في العلاقات بين الجزائر وفرنسا
توترت العلاقات بين فرنسا والجزائر في الأشهر الأخيرة. وبغض النظر عن الخلاف الثنائي، فإن استراتيجية وزير الداخلية، برونو روتايو، الرامية إلى صبّ الزيت على النار لإرضاء اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، تجعل البحث عن حلول للمشاكل المطروحة للنقاش أكثر صعوبة
لم تأت المواجهة الكلامية الأخيرة بين باريس والجزائر من عدم، بل تعود جذورها إلى ربيع 2017، عندما وصل إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه. كانالرئيس الفرنسي حينئذ يأمل في إحياء العلاقات الفاترة بين الدولتين من خلال سياسة جديدة، وكتابة ثنائية للتاريخ الدامي المشترك، ودفن ماضٍ لم يستسغه المحافظون من الطرف الجزائري بعد، كما هو الحال أيضا لدى جزء من المجتمع الفرنسي الذي مازال يحنّ، بشكل أو بآخر، إلى المستعمرات المفقودة والإمبراطورية الفرنسية.
بعدها بعامين، في ربيع عام 2019، لم تجر خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كما كان متوقعاً، وأدت إلى استيلاء رجل عسكري على السلطة، هو قائد الأركان اللواء أحمد قايد صالح، الذي كان عليه مواجهة حراك شعبي قوي وغير مسبوق، عارض في البداية تجديد ولاية الرئيس السابق بوتفليقة، ثم دشّن مسيرات أسبوعية مطالبة بحكم مدني ومندّدة بعهد الجنرالات.
وعلى مدار عام كامل، تظاهر مئات الآلاف من الجزائريين في شوارع العاصمة وفي مدن داخلية أخرى. ونددت قيادة الجيش من جهتها بمؤامرة من تدبير باريس للانتقام من حرب الاستقلال… فكانت الدعاية الرسمية – ببساطة – تدين باستمرار انتقاما مزعوما “للحرْكي” — أي العميل — من المجاهد، وللخائن من البطل، لتجعل من فرنسا كبش فداء -على الأقل في وسائل الإعلام الرسمية المهيمنة على المشهد الإعلامي في الجزائر.
بالسيادة المغربية على هذه المستعمرة الإسبانية السابقة. وكان توقيته سيئا بالنسبة للجزائر التي كانت تستعد للانتخابات الرئاسية في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2024، وهي فترة معقدة، ما بين ضمان الاحترام المعلن للقواعد الديمقراطية و… ضمان نتيجة معروفة سلفا.
وفي ظل تعكر العلاقات، تم استدعاء السفير الجزائري بباريس، في حين حُرمت الشركات الفرنسية في الجزائر من خطابات الاعتماد المصرفية لمدة أسبوع، كما جُمَّدت العلاقات بين جهازيْ الاستخبارات على حساب الكفاح المشترك ضد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية.
صحيح أن مسألة الصحراء الغربية شأن من شؤون الدولة، لكن الرأي العام الجزائري غير متحمس لإقليم بعيد ومكلف للمال العام. أما النظام الجزائري، فقد رأى إهانة وطنية في الانعطافة الفرنسية، التي تلت انعطافة مدريد حول قضية الصحراء الغربية. وبالنسبة للأوساط الإسلامية، فهي هِبة مباركة داعمة لخطابهم الدائم ضد العاصمة الاستعمارية السابقة وأتباعها ، دون التطرق إلى الإعلام المحلي الذي تناول القضية بحماسة.
وقد أدى اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بعد نزوله من الطائرة في مطار الجزائر – هواري بومدين إلى مزيد من التدهور في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ففي الجزائر، يُنظر إلى صنصال على أنه من أنصار المغرب المكروه بعد ادعائه أن سلطان المغرب كان يسيطر في القرن التاسع عشر على جزء كبير من إقليم وهران، أي أنه باختصار “خائن” للقضية الوطنية. في المقابل تستنكر باريس -وهي على حق- هذا الاعتداء على حقوق الناس باسم حرية الرأي، وتحركت الأوساط الفكرية واليمين واليمين المتطرف كذلك.