الأخبار

مناقشة “هادئة” لما ورد في مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع “فوكس نيوز” حول “التطبيع”

فجر اليوم //

فجّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة قنبلة من العيار الثقيل في حديثه لمحطة “فوكس نيوز” الامريكية عندما أعلن ان بلاده تقترب كل يوم أكثر من التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وان المفاوضات التي يجريها مع إدارة الرئيس جو بايدن في هذا الشأن ما زالت مستمرة وتحقق تقدما.
 لا نعرف الأسباب التي دفعت ولي العهد السعودي للإقدام على هذه الخطوة، وفي هذا التوقيت، خاصة بعد الإنجازات الاقتصادية والإصلاحات الداخلية الضخمة التي حققتها ادارته في الأعوام السبعة الماضية، وفك الارتباط التاريخي مع الهيمنة الامريكية على المملكة، والانفتاح بشكل مدروس على التحالف الصيني الروسي الصاعد، والانضمام الى منظومة “بريكس” البديل المنافس لنظيراتها الغربية المتآكلة، مثل صندوق النقد الدولي، وقمة السبع، وحلف الناتو، والساعية لترسيخ أسس نظام مالي جديد على أنقاض النظام الأمريكي القديم الذي هيمن على مقدرات العالم منذ الحرب العالمية الثانية.


الأمير محمد بن سلمان حقق شعبية كبيرة داخل المملكة وخارجها خاصة، وفي محيطها العربي والإسلامي تحديدا، عندما أعاد الاعتبار لسلاح النفط، وحقق له أسعارا عادلة، بالتنسيق مع روسيا، ثاني أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في العالم من خلال التوصل الى اتفاق “اوبك بلس”، ورفض كل الضغوط الامريكية لزيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار لمساعدة الاقتصاد الغربي على حساب الدول المنتجة ومعظمها من دول العالم الثالث، حتى ان نسبة كبيرة من الشباب بايعوه قائدا للمرحلة المقبلة.
المملكة العربية السعودية التي أكرمها الله بخدمة الحرمين الشريفين، والملايين من الحجاج والمعتمرين، ليست بحاجة الى التطبيع مع دولة محتلة عنصرية للحرم الثالث، وأرض فلسطين العربية المسلمة، وترتكب مجازر حتى في حق الأطفال، لان هذا التطبيع اذا ما تم قد يزلزل أمن المملكة واستقرارها، ويؤثر سلبا على صورتها في العالمين العربي والإسلامي.
فاذا كان الثمن الأمريكي لهذا التطبيع هو توقيع معاهدة حماية ودفاع مع واشنطن والحصول على برنامج نووي سلمي، فإنها لا تحتاج الى هذه المعاهدة مع بلد تتراجع قوتها، وتخسر عرشها على سقف العالم، ومتورطة وحلفاؤها في حرب في أوكرانيا، وربما لاحقا في تايوان، لن تخرج منهما منتصرة، وقد تنجر الى حرب نووية، اما المفاعل النووي فتستطيع الحصول عليه بسهولة من الصين، وروسيا، وحتى كوريا الشمالية، فمن يستضيف الرئيس الصيني في عاصمته ويرتب له ثلاث قمم، لا يحتاج الى الولايات المتحدة، ولا دولة الاحتلال العنصرية الفاشية، التي لا تخفي اطماعها وإرث يهودها في مكة والمدينة وخيبر، وتتخذ من السلام الابراهيمي غطاء شرعيا في هذا الصدد.
صحيح ان الأمير بن سلمان اكد في المقابلة على أهمية قضية فلسطين، وإيجاد حل لها، ولكنه حصر هذا الحل في تحسين أحوال الشعب الفلسطيني المعيشية ولم يذكر مطلقا مباردة السلام العربية التي كانت مبادرة سعودية في الأساس التي ربطت التطبيع بالانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وحق العودة الذي اضافه الرئيسان اللبناني إميل لحود والسوري بشار الأسد الى هذه المبادرة واصرا على اعتمادها كاملة من قبل القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2003، ونأمل ان يكون عدم التأكيد على هذه المبادئ الجوهرية جاء سهوا، خاصة ان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اكد عليها في كلمته امام الاجتماع الذي إنعقد على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الحالية بحضور وزراء خارجية وممثلي 53 دولة وكيان، وبمبادرة سعودية مصرية اردنية.
الأمير بن سلمان تباهى محقا بأن مملكته باتت تحتل المرتبة 17 على قائمة الدول الأقوى اقتصاديا في العالم، وإنها الأسرع نموا في منظومة الدول العشرين، وهذا انجاز مشرف للأمتين العربية والإسلامية نفتخر به، ولن نفاجأ اذا ما أصبحت المملكة وفي غضون سنوات قليلة عضوا في مجموعة دول السبع الاقوى اقتصاديا في العالم.
كل هذه الإنجازات تحققت دون أي تطبيع مع دولة الاحتلال، او مساعدة منها، او حتى الولايات المتحدة ربيبتها، بشكل مباشر او غير مباشر، بل جاءت ويا للمفارقة بعد تخفيض مستوى العلاقات مع الأخيرة، أي أمريكا.
الشعب الفلسطيني يا سمو الأمير الذي يحارب الاحتلال ويقاومه، ويقدم الشهداء بصورة يومية، يتطلع الى حياة كريمة، وأوضاع أفضل، ولكن ليس تحت الاحتلال، وانما في دولة فلسطينية مستقلة على كامل ترابه الوطني، وبدعم من أشقائه العرب والمسلمين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ولا نشك مطلقا بإيمانك بهذه الحقيقة.
عبارة مهمة وجوهرية وردت في المقابلة واستوقفتنا كثيرا، وهي التي أكد فيها الأمير بن سلمان ان الاستقرار في المنطقة هو البوابة الرئيسية للتنمية الاقتصادية والرخاء، والمملكة خطت خطوات جيدة في هذا الطريق، عندما توصلت الى تهدئة، وتجميد للصراع في اليمن، وانخرطت في مفاوضات مع حكومة صنعاء في الرياض، ووأدت الفتنة الإسرائيلية الامريكية بإذكاء فتيل الحرب الطائفية في المنطقة بإتفاقها التاريخي مع ايران، ولكن ربما يفيد التذكير بأن التهديد الأكبر للأمن والاستقرار وإشعال فتيل الحروب في المنطقة، على مدى 75 عاما هي دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تريد أمريكا التخلص من عبئها الثقيل بتصديره الى المملكة العربية السعودية وعاتقها عبر اتفاق التطبيع، وهو ليس عبء ثقيل فقط وانما ملغوم أيضا، خاصة ان هذا الكيان وباعتراف مفكريه وسياسييه وقادته السابقين لن يكمل عامه الثمانين.
 


أمريكا التي دمرت العراق، وسورية، وليبيا، وافغانستان، واليمن، لا تريد الخير للعرب والمسلمين، وبتحريض إسرائيلي، وتستخدم التطبيع والتجويع (لمن يعارضه ويقاومه) كأدوات في هذا الصدد، ولا نعتقد ان الأمير محمد بن سلمان لا يتابع الأحوال السيئة جدا التي تعيشها دول عربية وقعت في مصيدة التطبيع هذه، فحتى “طريق بايدن” الذي يريد الربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط ومرورا بحيفا هو آخر اختراعات المكر الصهيوني، والا لماذا تم تجاوز دول عظمى مثل العراق ومصر وسورية وايران وتركيا، واصر على “حشر” دولة الاحتلال التي لا تزيد مساحتها وعدد سكانها احد احياء مصر او تركيا او العراق؟
ختاما نقول يا سمو الأمير ان ايران لا تملك قنبلة نووية ومن حقك، وحقنا جميعا كعرب ان نسعى لامتلاك قنبلة مماثلة، ولكننا نجزم بأن امتلاك إسرائيل لأكثر من 200 رأس نووي أخطر بكثير علينا من القنبلة الإيرانية التي ما زالت في حكم الغيب، وتتعهد أمريكا بوأدها ومنع صناعتها بتحريض إسرائيلي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى