ماذا يعني قرار الكويت إزالة “التحفّظات الأمنيّة” عن مُواطنيها وما جريمة من كانت تطاله تلك “القيود والتحفّظات”؟ وهل كانت “قانونيّة”؟.. الداخليّة الكويتيّة قالت بأن القرار جاء “التزاماً بالمادّة (36) من الدستور فما هي وأي علاقة للانفراج السياسي بهذا القرار؟
تتّجه الكويت فيما يبدو إلى تصحيح مسارها الديمقراطي بالكامل، فبعد أن دخلت البلاد بعهديّ حكومة ومجلس أمّة جديدين (حكومة أحمد نواف الأحمد ومجلس أحمد السعدون)، ها هي تُفاجئ أوساطها السياسيّة والنخبويّة بقرار لافت يتعلّق بمُواطنيها، تعزيزًا كما قالت وزارة الداخليّة الكويتيّة “لمسيرة تصحيح المسار في البلاد، ودعماً لحريّة التعبير”، ما يُكسب القرار توقيتاً مدروساً.
القرار يتمثّل بإزالة أو إلغاء “التحفّظات الأمنيّة” عن المُواطنين، ويأتي القرار التزاماً بالمادّة 36 من الدستور الكويتي التي تنص على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون”، وهذا وفقاً لما ذكرته بيان الداخليّة الكويتيّة.
ثمّة من كان يُعبّر عن مخاوف حقيقيّة، من جهات تترصّد بديمقراطيّة الكويت، ودور مجلس الأمّة فيها، وتجربته الديمقراطيّة في وضع القوانين ومُحاسبة الحكومة، بعد تواصل الأزمة بين المجلس والحكومة السابقين، وتحميل الحكومة السابقة للمجلس سبب التعثّر والأزمات الاقتصاديّة، وجرى توجيه انتقادات لمجلس الأمّة الكويتي بالفعل على شاشات إعلاميّة عربيّة، ووسط مُحيط خليجي غير ديمقراطي نسبيّاً، ولكن جاء هذا القرار اللافت بتوقيع وزير الداخليّة الكويتي طلال خالد الصباح، وبعد نجاح تجربة الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، وسيطرة المُعارضة على مجلس الأمّة، والإطاحة بحكومة صباح الخالد، ليُؤكد على الاستمرار بنهج الديمقراطيّة، وليسمح للجميع دون تمييز بالمُشاركة في العمل السياسي، ودون مُعاقبته على مواقفه السياسيّة المُعارضة.
ما يُعرف بالتحفّظات الأمنيّة، ليست قائمة سوداء تخص من خالفوا القانون بجرائم وغيرها، بل هي قائمة سوداء تتعلّق بالغالب بشخصيّات لها مواقف مُعارضة ناقدة حادّة للحكومة والقيادة الكويتيّة، وهؤلاء بنقطتهم السوداء تلك لا يستطيعون العمل في السلك العسكري، أو الوصول إلى منصب سياسي أو إداري كبير، ووفقاً لتقارير صحفيّة فإن كل من شارك في المظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في الكويت العام 2013، جرى فرض قيود أمنيّة عليهم، أو ما يُعرف باسم تحفّظات أمنيّة.
ويتعرّض كل شخص له قيد أمني في الكويت، إلى التعطيل في مُعاملاته الحكوميّة، ويُمنع من التوظيف الحكومي، ما يعني أن القيد الأمني أو التحفّظ هو بمثابة العُقوبة، ولكن كان يقول مُعارضون بأنها غقوبة لا تستند إلى سند قانوني، أو أحكام قضائيّة صحيحة، ولا تتناسب مع بلاد يكفل قانونها حريّة التعبير.
يُنهي إذًا وزير الداخليّة الكويتي طلال خالد الأحمد الصباح مُعاناة أصحاب القيود الأمنيّة، ويُنهي معها جدلاً مُستمرًّا في الكويت مُنذ سنوات طويلة، ولعلّه يُعيد الثقة بمؤسسات بلاده، ويُثبت بأنها مُؤسّسات قانون، حيث لافت أنه تم تقصيلاً بقراره “إلغاء أي اشتراطات أو تحفّظات من شأنها الانتقاص أو التقويض من حقوق المواطن، مع ضرورة الالتزام بكل الإجراءات المرتبطة بالأحكام القضائية النهائية”، وفقاً لبيان الداخليّة الكويتيّة، وهذا قرار لا يتم بطبيعة الحال إلا بمُباركة القيادة الكويتيّة العهد الجديد.
القرار، حظي بترحيب نيابي وشعبي كبير، وتسلّطت الأضواء الإيجابيّة على وزير الداخليّة، الذي وجّه له الشعب الكويتي شُكرهم، وتقديرهم، فالقرار بحسبهم يُؤكّد على رغبة الدولة الكويتيّة الأكيدة بالالتزام بحريّة التعبير والمادة 36 التي تصونها، ولن يكون هنا عواقب وخيمة لمُجرّد التعبير عن الرأي الذي كفله القانون الكويتي.
ويلفت مراقبون إلى أن قرار إلغاء التحفّظات الأمنيّة، سيُعزّز حالة الثقة بين الحكومة الحاليّة برئاسة أحمد نواف الأحمد الصباح، ومجلس الأمة الجديد بغالبيّته المُعارضة ورئاسته الجديدة أحمد السعدون، ما يعني حالة انفراج سياسي بدأت به الحكومة الجديدة بحُسن نيّة، سيستثمره مجلس الأمّة بأغلبيّته المُعارضة لاحقاً للعمل معاً مع الحكومة، ولتجنّب صدام بينهما يؤدي إلى المشهد المُكرّر، عدم إكمال مجلس الأمّة لدورته، وحله أميريّاً، واستقالة الحكومة.