لماذا نقول شكرا للزلزال الذي فضح الوجه الأمريكي البشع والاعلام “العربي” الذي يحاول تجميله لتبرير الحصار على سورية؟
لماذا نقول شكرا للزلزال الذي فضح الوجه الأمريكي البشع والاعلام “العربي” الذي يحاول تجميله لتبرير الحصار على سورية؟
عبد الباري عطوان// فجر اليوم//
تشن وزارة الخارجية الامريكية حملة شرسة هذه الأيام عبر العديد من محطات التلفزة العربية، والخليجية على وجه الخصوص، ووسائط التواصل الاجتماعي، للترويج لقرارها الذي أصدرته في محاولة لتجميل وجه حصارها البشع، والقاتل للشعب السوري، بالإدعاء بأن عقوباتها لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية لسورية بعد الزلزال الذي أدى الى مقتل اكثر من 3550 جميعهم في المناطق الشمالية الواقعة تحت سيادة الدولة السورية.
اصدار الخارجية الامريكية هذا القرار يشكل اعترافا بالجريمة، وادراكا منها بحالة السخط التي تسود معظم انحاء العالمين العربي والإسلامي من جراء تمسكها بهذه العقوبات تحت ذريعة منع الدول المانحة للمساعدات من التعامل مع السلطة الحاكمة في دمشق، ولكن هذه الحملة الإعلامية المضللة لن تؤتي اكلها، ليس لأنها تأخرت اكثر من أربعة أيام، وانما أيضا لان الملايين من العرب والمسلمين باتوا محصنين في وجه الأكاذيب الامريكية، ولم يعد من السهل خداعهم، فالسلطة الحاكمة في سورية ليست المدفونة تحت الأنقاض والركام، وانما الشعب السوري الذي فرضت الحصار عليه تحت عنوان حمايته وحقوقه وحرياته.
الإدارات الامريكية المتعاقبة، جمهورية كانت او ديمقراطية، التي دمرت العراق، وليبيا، وأفغانستان، واليمن، وسورية، لا يعرف قاموسها شيئا اسمه “الإنسانية” وقيم العدالة والمساواة والرحمة، عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، لأنها ترى هؤلاء من منظور دولة الاحتلال، وأمنها ومصالحها الاقتصادية، ومن المؤسف، بل والمؤلم، ان بعض الحكومات العربية تتطوع للترويج لأكاذيبها، وتسويق هذه السياسات العنصرية الاجرامية، وتوظف امبراطورياتها وأذرعها الإعلامية الضاربة في خدمة هذا التضليل.
***
الولايات المتحدة التي تحتل ما يقرب من ثلث الأراضي السورية، وتسرق ثرواتها النفطية والغازية، والغذائية في شرق وشمال الفرات، وتدعم الحركات الانفصالية، لا يهمها الشعب السوري ومعاناته، مثلما لا يهمها كل الشعوب العربية الأخرى، وتتلذذ بفرض العقوبات عليها بهدف تجويعها وتركيعها فمن الذي يجوع لبنان والأردن وسورية والسودان ليفرض عليها التطبيع.
انتم لا تحاصرون سورية بسبب انتهاكات حقوق الانسان، ولا من اجل الديمقراطية.. تحاصرونها لأنها رفضت الرضوخ والتطبيع، ودعمت المقاومة في العراق ضد احتلالكم، وزودت الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية بصواريخ الكورنيت المضادة للدبابات، وجميع حلفائكم الذين شاركوكم في تدميرها لا يملكون سجلا مشرفا في حقوق الانسان، فنحن لسنا اغبياء لنشتري بضاعتكم الفاسدة العفنة.
ما هو الضرر الذي الحقه الفلسطيني بالولايات المتحدة حتى تعاديه، وتدعم الاحتلال وجرائمه وحروبه لأكثر من 74 عاما، وما هي الخطيئة التي ارتكبها الشعب العراقي حتى تفرض عليه حصارا غير مسبوق في التاريخ، أدى الى استشهاد اكثر من مليون عراقي معظمهم من الأطفال والنساء، وتُقدم بعد ذلك على قتل مليون آخر بعد غزوه واحتلاله.
فاذا كانت الولايات المتحدة حريصة على الشعب السوري مثلما تدعي كذبا، وتنطلق سياساتها من منطلقات إنسانية، لماذا فرضت الحصار أساسا، ولماذا لم تتخذ هذه القرارات الاستثنائية منذ الساعة الأولى لوقوع الزلزال، وبعد ان أقدمت دول عربية مثل الجزائر والعراق ومصر وسلطنة عُمان وتونس والأردن ولبنان وليبيا والامارات وايران والهند وروسيا والصين على إقامة جسور جوية، وارسلت طائراتها الى دمشق وحلب لكسر هذا الحصار بقوة قيم الإنسانية الحقة؟ ومرمَغت انف قانون “قيصر” وعقوباته بالتراب.
الإدارة الامريكية رصدت 85 مليون دولار لمساعدة الضحايا الاتراك والسوريين، ما اتفه هذا الرقم الذي يشكل إحتقارا لأكثر من مئة مليون انسان في البلدين، ومن الدولة الأغنى والاعظم في العالم، ولا يقارن مطلقا بإعتراف دونالد ترامب برصد 90 مليون مليار دولار لتدمير سورية، ناهيك عن أربعة اضعاف هذا الرقم من حلفائه في الخليج.
“الاستثناءات” الامريكية المزعومة دمرت العراق، وجعلت 90 بالمئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر، وحولت ليبيا الغنية بالنفط والغاز الى دولة فاشلة يسودها الفساد، وتحكمها الميليشيات العسكرية الخارجة عن القانون، وحرمت الشعب السوري من الماء والكهرباء والدواء والمازوت والحد الأدنى من الحياة الكريمة.
***
لا نريد “استثناءاتكم” الكاذبة المضللة، فأنتم “رسل” القتل، والدمار، والتجويع، والتفكيك، وليست لكم أي علاقة بالإنسانية لأنكم تؤكدون يوميا انكم نقيضها، بسياساتكم، واحتلالاتكم، وانحيازكم الفاجر للقتلة، والمحتلين، والطغاة الحقيقيين الفاسدين الذين يأتمرون بأوامركم.
لا يمكن ان ننسى مجزرة ملجأ العامرية وحلقات مسلسل رعب تعذيبكم في سجن ابو غريب في العراق، ولا اسقاطكم للطائرة المدنية الإيرانية فوق الخليج، ودعمكم لمجازر حليفكم الصهيوني الفاشي في قطاع غزة، وقصفكم للأعراس ومجالس العزاء في أفغانستان، وقائمة مجازركم تطول، وتسألونا لماذا لا نحبكم؟
هذا الزلزال الذي راح ضحيته اكثر من الفا من أهلنا في سورية، واشقائنا في تركيا، الذين نترحم على ارواحهم جميعا، فضح أمريكا والحكومات المتواطئة معها واعلامها، مثلما فضح حكومات وقفت سورية في خندقها عندما تعرضت للغزو العراقي، ودفن جامعة النفاق العربية تحت ركام عماراته المدمرة، واظهر الوجه الإنساني في أجمل صوره للشرفاء العرب والمسلمين الذين تجاوزوا كل خلافاتهم ووقفوا في خندق سورية وضحايا زلزالها، والتاريخ سيحاسب من اداروا وجههم وظهورهم عن هذه المأساة، وسينصف حتما كل من تحلى بالشهامة والمروءة والنبل وارسل طائراته، وفرق إنقاذه، وسخر اعلامه لنصرة الاشقاء المكلومين المحاصرين في قلعة العروبة التي اسمها سورية.. والأيام بيننا.