لماذا تراجع ماكرون بسرعة عن وعوده بتزويد زيلينسكي بالمقاتلات الأوروبية الحديثة؟ وكيف عزز تدمير أمريكا لخط انابيب السيل الشمالي المحور الألماني الفرنسي شبه المتمرد على التبعية الامريكية؟ ومن الذي سيشن هجوم الربيع بوتين ام الجيش الاوكراني؟ وما هي النتائج المتوقعة؟
فجر اليوم//
تراجع مانويل ماكرون عن حماسه السابق بتزويد أوكرانيا بمقاتلات أوروبية حديثة لوقف تقدم القوات الروسية، تلبية لطلب فولوديمير زيلينسكي الذي قام بجولة أوروبية لهذا الغرض، لا يعكس خلافا أوروبيا أمريكيا فقط، وانما يعكس إصرارا من قبل القادة الأوروبيين، او المحور الفرنسي الألماني على وجه التحديد، على تجنب التصعيد وبالتالي المواجهة الاوسع مع روسيا، والبحث عن مخرج سلمي.
نشرح أكثر ونقول ان ماكرون الذي اقام مأدبة عشاء على شرف الرئيس زيلينسكي في قصر الاليزيه اثناء توقفه في باريس بحضور اولاف شولتز مستشار المانيا لا يريد لروسيا ان تنتصر، وعلى عكس نظرائه في أمريكا وبريطانيا وبولندا الذين يريدون القوات الروسية ان تخرج خاسرة من هذه الحرب الذي يجدونها فرصة ثمينة لتدميرها حسب المفكر الروسي ألكسندر نازاروف.
***
الفارق كبير بين منع الانتصار الروسي، وخروج موسكو خاسرة من هذه الحرب، فالأول يعني تقديم تنازلات لروسيا في أوكرانيا، أي الاعتراف بضمها لمنطقة دونباس واقاليمها الأربعة، اما الثاني، أي الخسارة، فيعني تدمير روسيا، وانتزاع أجزاء من ارضيها وتقليص حدودها، والرئيس بوتين يدركه جيدا.
الأوروبيون، وخاصة فرنسا والمانيا، بدأوا يدركون ان الولايات المتحدة تريد جرهم الى حرب قد تؤدي الى انهيارهم، عسكريا واقتصاديا، وتعاظمت هذه المخاوف بعد كشف الصحافي الأمريكي المخضرم سيمور كريش عن وقوف وحدة كوماندوز أمريكية خلف تفجير خط انابيب السيل الشمالي (نورد ستريم)، واتهام روسيا زورا بالإقدام على هذا التفجير من اجل منع أي تعاون الماني روسي.
الجيش الروسي لن يقوم بشن هجوم على أوكرانيا في الربيع مثلما تروج وسائل الاعلام الغربية، لان هجومه بدأ فعلا في الشتاء الذي يناسب خططه العسكرية، واستطاعت قواته حسب آخر التقارير الميدانية، من تحرير مدينة سوليدار، واكمال سيطرتها على ياخموت بمساعدة قوات مجموعة فاغنر التابعة له، وكذلك بلدة كراسنا غورا المحاذية، والاستعداد للهجوم الكاسح على مدينة نابوروجيا النووية الاستراتيجية.
كان الهدف الأبرز من جولة زيلينسكي الأوروبية الحصول على مقالات هجومية، بعد ان ضمن مئات الآلاف من الدبابات، ومنظومات صواريخ “الباتريوت” لشن هجوم الربيع في مقامرة هجومية قد يؤدي فشلها الى انهيار أوكرانيا ونظامها الحاكم.
الرئيس بوتين تعلم من حلفائه الإيرانيين سياسة النفس الطويل والصبر الاستراتيجي طويل الأمد، وتفيد بعض التسريبات الإخبارية على لسان بعض المقربين منه، انه يخطط لحرب استنزاف مضادة في أوكرانيا قد تمتد لثلاث سنوات او اكثر، الامر الذي قد يقلب الحسابات الامريكية رأسا على عقب، فأمريكا تريد انهاء هذه الحرب بهزيمة الروس في غضون عام او عامين على الأكثر للالتفات الى المواجهة الأهم مع الصين وقبل انتهاء فترة جو بايدن في الحكم، ولكن الرئيس الروسي لن يسمح بتحقيق هذا الهدف، حتى لو استخدم الأسلحة النووية.
***
مرة اخرى نقول ان القوى النووية لا تُهزم، ولهذا قصفت دولة الاحتلال مفاعل تموز النووي العراقي، ومنشأة دير الزور السورية التي كانت في طور التأسيس، وحاصرت ليبيا العقيد معمر القذافي واجبرته على تفكيك طموحاته النووية والكيماوية، وتحاول حاليا، أي دولة الاحتلال، ضرب المنشآت النووية الإيرانية ومنع ايران من امتلاك أي أسلحة نووية، ولا نعتقد انها ستنجح.
نحن الآن امام سباق محموم بين “الحكمة” الأوروبية التي يجسدها ماكرون وشولتز، بالمراهنة على تحسين الموقف العسكري الاوكراني لتعزيز موقفهما في أي مفاوضات سلمية قادمة، والتهور الثلاثي الأمريكي البريطاني البولندي الذي نصب مصيدة هذه الحرب لتدمير روسيا.
السؤال: لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف؟ لا نملك الإجابة، ولكننا نستطيع ان نتكهن بأن “الحكمة” الأوروبية المنطلقة من المصالح البحتة الاوفر حظا في الفوز، لان إطالة امد الحرب سيعني انهيارها (أوروبا) عسكريا واقتصاديا، وهي نتيجة كارثية لا تبررها خسارة أوكرانيا إقليم دونباس، او عدم انضمامها، أي أوكرانيا، لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
كيسنجر تجاوز التسعين من عمره، ولكن نصيحته بإنهاء هذه الحرب بالتنازل عن بعض الأراضي الاوكرانية، والتي لا يأخذ بها ابن عقيدته اليهودية زيلينسكي، ورفضها بايدن، كانت النصيحة الأصوب، والمخرج الأقل خسارة من هذه الحرب، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا مستر كيسنجر؟