فراس ياغي: تلاقي الإحتياج “الأمريكي” “السعودي” وإنقاذ “نتنياهو”.
فجر اليوم//
فراس ياغي
مقدمة:
ترتكز العلاقات عادة بين الدول وفقا لطبيعة المصالح بينها من حيث متطلبات إقتصادية وأمنية وجيو سياسية وأيديولوجية، وغالبا تَرجح العلاقة للدولة العظمى وبالذات مع الدولة الفقيرة وما يُسمى دول العالم الثالث، وهذا ما ميزّ علاقات “الولايات المتحدة الأمريكية” بمختلف الدول ومن ضمنها “المملكة العربية السعودية”، حيث كانت ولا زالت “أمريكا” تتعامل مع مختلف الدول عبر الأوامر والفوقية “الأنجلو – ساكسونية” الإمبريالية الإستعمارية، ومن يرفض التنفيذ كانت تفرض عليه عقوبات إقتصادية وتُرسل جيوشها لفرض إرادتها أو تقوم بزعزعة إستقرار الدول تحت يافطات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والأمثلة كثيرة تبدأ في دول أمريكا اللاتينية والوسطى ولا تنتهي في الدول الأفريقية مرورا بالدول الآسيوية والعربية في مركزها.
التمرد وإنتهاء القطب الواحد:
ما يُميز الواقع الجديد هو التمرد على سياسة القطب الواحد من دول صغيرة ودول مركز ودول عظمى، وبدء ظهور التعددية لدرجة أن طبيعة الجغرافيا السياسية العالمية بدأت تتغير بشكل مُطرد مع ظهور المارد “الصيني” الإقتصادي الذي هدد ويهدد مكانة “الولايات المتحدة الأمريكية” كإقتصاد أول في العالم والدب “الروسي” الذي يفرض إرادته بالقوة العسكرية في محيطه “أوكرانيا” وعلى مستوى العالم حيث بدأ في “سوريا” ويتمدد إلى “أفريقيا”، وكان لدول المركز كَ “إيران” دور مركزي في تحدي السياسة الأمريكية رغم كل العقوبات الإقتصادية منذ أكثر من أربعة عقود مما أدى في النهاية لفرض نوع من التوازن في الجغرافيا البحرية والبرية المحيطة، ودولة صغرى كَ “كوريا الشمالية” دفعت الولايات المتحدة لمحاولة عقد إتفاق معها لم يدم طويلا، كل ذلك يجري رغم ضخامة العقوبات الإقتصادية التي فرضتها إدارات “البيت الأبيض” المختلفة على هذه الدول.
في خضم ذلك وبعد عملية التقييم التي حدثت عند بعض الدول العربية نتيجة لما يُسمى “الربيع العربي” ودور “الولايات المتحدة” فيه المباشر وغير المباشر عبر التمويل المالي من بعض دول “محطات البنزين” التي لا زالت تُنفذ السياسة الأمريكية، وكنتيجة للواقع الدولي الجديد، بدأت دول عديدة تحاول الخروج من العباءة الأمريكية أو بالحد الأدنى تفرض شروطها، خاصة مع ظهور تكتل “بريكس” الإقتصادي وتكتل “شنغهاي” وظهور مؤسسات مالية جديدة تُشكل بديلاً عن “البنك الدولي” و “صندوق النقد الدولي”.
“دولة الإمارات العربية المتحدة” و “المملكة العربية السعودية” تُعَد من الدول التي بدأت تتعاطى مع الواقع العالمي الجديد وتفرض شروطها وفقا لمصالحها في طبيعة علاقتها مع “الولايات المتحدة الأمريكية”، وما قضية التطبيع مع دولة “إسرائيل” سوى أنها مُتطلب “أمريكي” ضمن سلة المصالح التي تحكم العلاقات معها، لذى نرى أن الخطة الجديدة في العلاقات “الأمريكية – السعودية” تناولت العديد من القضايا والتي ترى فيها “المملكة العربية السعودية” تُحقق مصالحها كدولة ومن ضمنها الشرط “الأمريكي” للتطبيع مع دولة “إسرائيل” كمُتطلب يُعبر عن إحتياج جديد أساسه إدخال المنظومة “الإسرائيلية” في المنطقة لإعادة ترتيب الأوراق بعد الفشل الكبير لسياسات الرئيس السابق “أوباما” في تسليم المنطقة للتيار الإسلامي المُعتدل “الإخوان المسلمين” وتداعيات ذلك على مُجمل العلاقات الأمريكية العربية وبالذات “السعودية” ومُجمَل دول الخليج، ونتيجته كانت تدمير العديد من الدول العربية ك “سوريا” و “ليبيا”.
طبيعة الإحتياج ومسببات التطبيع:
نرى أن الخطة الأمريكية للتطبيع بين “السعودية” و “إسرائيل” جاءت في السياق أعلاه وفي محاولة لإحداث تغيير يُعزز من نفوذها ويؤدي لإنخراط دولة “إسرائيل” في المنطقة لتصبح جزءا منها تعتمد من خلالها على نفسها وعبر علاقاتها في المنطقة، هذا الإحتياج “الأمريكي” يتلاقى مع الإحتياج “السعودي” ويتقاطع مع رغبة “نتنياهو” في تحقيق حلمه في التطبيع وإنقاذه من الأزمة الداخلية التي تعصف بدولة “إسرائيل”، ومن الجانب الآخر الأخذ بعين الإعتبار الشروط “السعودية” المطلوبة بالأساس من “الولايات المتحدة الأمريكية” والتي كانت “إسرائيل” تعترض عليها سابقا، في حين الشروط التي تتعلق بالموضوع “الفلسطيني” ليست سوى شروط إعتراضية وضمن مفهوم الحد الأقصى والحد الأدنى، اي أن المركزية في إتخاذ قرار التطبيع تستند لمصالح الدولة الوطنية وليس للبعد القومي البائس، وعليه فإن طبيعة الإحتياجات للدول الثلاث يمكن النظر إليها ومناقشتها كما يلي:
أولا- صياغة الحلف “الأمريكي السعودي” وتجديده وفق متطلبات جديدة لِ “السعودية” اساسها اسلحة متطورة بلا قيود عليها كما “إسرائيل” ومفاعلات نووية سلمية وحلف بين الطرفين لحماية “السعودية” من اي تهديدات إقليمية.
ثانيا- إبعاد “السعودية” عن “الصين” و “روسيا” وضمن سياسة “امريكا” في مواجهة نظام التعددية القطبية في العالم. والحفاظ على دورها وموقعها وقوتها الإقتصادية
رابعا- حكومة “نتنياهو” في ظل ازمة العلاقة مع “البيت الأبيض” بسبب مما يسمى “الإصلاحات القضائية” بالنسبة لها هي فرصة ذهبية للتقرب من الإدارة الأمريكية وإنهاء العزلة التي يعاني منها “نتنياهو”، رغم عدم موافقة المؤسسة العسكرية والأمنية وزعيم المعارضة “يائير لابيد” على بند المفاعلات النووية السلمية بإعتبار ذلك يقوض التفوق الإسرائيلي في المنطقة.
خامسا- بما يتعلق بالقضية الفلسطينية فالشروط وفق المسرب إعلاميا، تتمثل بِ “عدم ضم الضفة الغربية ووقف تشريع وإقامة مستوطنات جديدة والحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة ولاحقا عملية تفاوضية وسلام”…هذه الشروط هي معضلة “نتنياهو” وهو غير مُستعد للموافقة عليها وقد أوضح ذلك وبما لا يقبل للشك في مقابلته مع قناة “بلومبرغ” حيث اكد فيها “انه لن يُقدم على شيء سَيُعرّض امن دولة إسرائيل للخطر”، وقال “إن إقامة دولة فلسطينية يعني تحكم إيراني فيها وستصبح دولة ارهابية إيرانية” ، وأضاف “أن هناك ممر اقتصادي للطاقة والنقل والإتصالات يمر بشكل طبيعي من خلال آسيا وشبه جزيرة العرب وإسرائيل إلى اوروبا وسنعمل على إقامته سواء كان هناك سلام رسمي ام لا”، وأشار إلى “أن الحديث حول الموضوع الفلسطيني في الكواليس والمحادثات السرية هو أقل بكثير مما يُعتقد ويُعلن عنه.”
سادسا- تعين السفير السعودي في الأردن “نايف السديري” سفيرا فوق العادة غير مقيم لدولة “فلسطين” وتعينه ايضا قنصل عام في “القدس”، هي خطوة مُقدرة وتُحترم إلا أنها تأتي في خضم المفاوضات القائمة بين “الولايات المتحدة الأمريكية” و”السعودية” والتي في جوهرها التطبيع مع دولة “إسرائيل”، وحيث أن شروط المملكة لن تكون بالمطلق مقبولة على حكومة اليمين، لذلك قد يتم تفسيرها على أنها خطوة رمزية بجانب مساعدات مالية سخية إلى “السلطة الفلسطينية” كبديل عن تلك الشروط، خاصة أنها تتضمن منصب “القنصل العام في مدينة القدس” وهذا له دلالات تشير لقرب التطبيع، وقد أشار تلفاز “إحنا tv” في تصريح لشخصية اكاديمية فلسطينية ، فضّل عدم ذكر اسمه، ان هذه الخطوة “تندرج في سياق الجهود القائمة لدفع السعودية للتطبيع مع “اسرائيل”، ولا يمكن تفسيرها بغير ذلك، حيث تريد السعودية اعطاء الانطباع وكأن القدس الشرقية عاصمة فلسطين، لكن “اسرائيل” بطبيعة الحال ترفض ذلك، وبالتالي فان موافقة “اسرائيل” على هذا المنصب تأتي كمحاولة منها لإرضاء، ولو شكليًا، الموقف السعودي”. فخطوة من هذا القبيل – قال الأكاديمي – “لا تاتي دون موافقة اسرائيلية.”
واضاف المصدر: “في الحقيقة هذا التفاف وتحايل “اسرائيلي” لإرضاء السعودية”، وهي بمثابة “رشوى سياسية” لدفع السعودية للتقدم في مساعي التطبيع واقامة علاقات كاملة مع “اسرائيل” من خلال اعطاء الانطباع وكأن “السعودية” ما زالت عند موقفها من “القدس” وقضية “فلسطين”. لذلك جاءت الموافقة “الاسرائيلية”. “هذه خطوة لا معنى لها من جانب الفلسطينيين، وجاءت فقط للتحايل ودفع السعودية نحو التطبيع مع اسرئيل.” وفقا لما صرّح به الأكاديمي لقناة “إحنا tv”.
سابعا- هناك تبادلية غريبة بين “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”، “بايدن” يريد تحقيق شيء ملموس يُعينه على الإنتخابات القادمة من خلال تجديد أواصر التحالف القديم مع “المملكة العربية السعودية” ببنود وصياغات وسياسات جديدة تعزز موقع “امريكا” العالمي والإقتصادي وتُحقق تطور نوعي من الناحية الأمنية والعسكرية وتحول “السعودية” لدولة نووية سلمية، ومن جانب آخر يتم التطبيع مع دولة “اسرائيل” في ظل حكومة يمين متطرف لا يرغب الرئيس “بايدن” في إستقبال رئيس وزراء تلك الحكومة، لكن الإدارة الأمريكية ووفقا لمصالحها تعلم انها قادرة الآن على تمرير الصفقة مع “المملكة العربية السعودية” دون معارضة “إسرائيلية” وبالتالي معارضة في داخل “الكونغرس” الأمريكي، و”نتنياهو” يرى أنه وإئتلافه قادرين على إستغلال اللحظة والإستمرار في الإصلاح القضائي وان عقد الصفقة في ظل ادارة ديمقراطية أفضل من ان تعقد في ظل إدارة جمهورية، لأن الأعضاء الجمهوريين في “الكونغرس” المؤيدين لِ “إسرائيل” بلا تحفظ سوف يصوتون لصالح تلك الصفقة وهذا يعني تلاقي الإحتياجات والرغائب في ظروف غير طبيعية وبالذات في “إسرائيل”.
الخلاصة:
واضح ان هناك إحتياجات تتلاقى وتفرض نفسها على الدول الثلاث ونتيجتها تحقيق مُبتغى “السعودية” من خلال الإذعان لشروطها وبحيث تستفيد “السعودية” من العلاقة مع “أمريكا” وبشكل تبادلي، في حين يتم إنقاذ الملك “نتنياهو” بجائزة “التطبيع” التي ترعاها “أمريكا” وما سيرافق ذلك إن تم من إحتفالات في حديقة “البيت الأبيض” تُنهي عزلة “نتنياهو”، وتحفظ حكومة اليمين وبرنامجها بما يتعلق بالموضوع الفلسطيني والداخل الإسرائيلي، أما “أمريكا” فهي بذلك تُبعد “السعودية” عن منافسها الأول “الصين” وتنهي بذلك اي أمكانيات جديدة لتحالفات تختلف عن السابق وتؤدي لتراجع “الولايات المتحدة الأمريكية” وبالذات في منطقة “غرب آسيا” حيث الموارد الطبيعية والطاقة والطرق والممرات البحرية المُتعددة.
“أمريكا” تعتقد أنها بهذه المقاربة سوف تُعيد مكانتها، و “السعودية” تعتقد أنها بذلك تفرض نفسها قوة إقليمية كبرى، و “نتنياهو” يتوج من جديد ملك حَقق ما لم يُحققه أحد من زعماء دولة “إسرائيل” ويستمر في مُخططه الإئتلافي في حسم الصراع في الضفة الغربية والقدس وتصفية القضية الفلسطينية كمفهوم قومي يستند لدولة وعودة وعبر حق تقرير المصير، لكن، يتجاهل الأمريكي والإسرائيلي أن التطبيع مع “السعودية” لن يؤدي لنزع الفتيل، لأن هناك شعب فلسطيني ومحور مقاومة له أجندته وقادر على فرض شروطه أيضاً.
كاتب فلسطيني