غزة.. عامان على السابع من أكتوبر: السر المكنون للصمود والمقاومة

أخبــــــــــار #فجر_اليوم //

رهيب التبعي _تمر اليوم الذكرى الثانية للسابع من أكتوبر، يومٌ شهد انشقاق التاريخ نصفين: نصف كان خاضعًا لمعادلات القوة والهيمنة، ونصف آخر وُلد من رحمها، مؤمنًا بأن قوة الأمة ليست في العدد أو السلاح، بل في الإيمان الذي لا يُهزم. في هذه الذكرى، تتجلى غزة رمزًا للصمود والمعركة المستمرة بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، بين الإيمان والارتهان.من حدود النار والبحر، ومن شظايا المجازر ورماد البيوت، ومن وجعٍ ظنّه العالم نهاية، تنهض غزة كبداية، كأنها القيامة الأولى. رسالة صمودها تعلن أن الحق لا يموت، وأن الأمم لا تُقاس بما تملك من سلاح، بل بما تملك من إيمان وعزيمة.عامان من المجازر والحصار والقصف، ومع ذلك صمدت غزة، كجبل أصيل، تصعد إلى عليائها كلما حاول الأعداء إسقاطها. عامان أثبتا أن الحديد يصدأ، لكن الإيمان لا يصدأ، وأن القصف لا يُطفئ نورًا في القلوب: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.في غزة ما زال السرّ مكنونًا، سرّ جعل الرمل درعًا، والحجر مدفعًا، والطفل رسولًا للكرامة في وجه المدافع. كل مجزرة كانت تُحوّل إلى درس للبقاء، وكل دمار كان يُولد معنى جديدًا للخلق من العدم. غزة صارت تميمة الصمود التي لم يفك رموزها أعوان الباطل، وعقيدة حيّة تختبر إيمان العالم وتكشف وجوه المنافقين.غزة لم تكن حربًا عابرة، بل امتحانًا كونياً بين مشروعين: مشروع الحق ومشروع الباطل، مشروع النور ومشروع الظلمة، مشروع الإيمان ومشروع الارتهان. هي معركة وعد، تذكّر بوعد الله للمظلومين، وبسُنن الأنبياء حين تتجلى في آخر الزمان. من سرّ صمودها تمتد خيوط من السماء إلى الأرض، وكأنها تعيدنا إلى مشاهد بدر وأحد والأحزاب، حيث القليل من المؤمنين يواجه الكثير من الطغاة، وحيث يُختبر الإيمان بين الحصار والوعد: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾.لقد راهن الأعداء على موت غزة، فأحيت المعنى في موتهم. أرادوا كسرها، فكسرت قيود الخوف في كل ضمير حر. حاصروها بالحديد والنار، فانفجرت من بين رمادها نورًا يعيد للأمة وعيها الضائع، كأنها تصرخ في وجه العالم صرخة الحسين: “هيهات منا الذلة”.منذ فجر السابع من أكتوبر، انكشفت أوراق الزيف: أقنعة الحكام، وعناوين الإعلام، ووجوه الخيانة. مدّوا لها أكفًّا مملوءة بالقمح والسكر والمذلة، فأبت إلا أن تأكل من جوعها وتشرب من كرامتها. مدّوا لها الوعود الكاذبة كي تُساوم على دمها، فقالت لهم: لن أبيع الأقصى بثمن السوق.اليوم، بعد عامين من المجازر، غزة لا تزال تقف شامخة على أطلال العالم، تقول بلسان الجرح والمقاومة: “أنا البقية الباقية من كرامة الأنبياء، وأنا الوريثة الأخيرة لوعد الآخرة”. تجاوزت غزة حدود المكان والجغرافيا، وصارت رمزًا أزليًا للمعركة بين النور والظلمة، قبلة الصمود ومحراب الفداء، تعيد التاريخ إلى ذاكرته، وتكتب بدمها فصلًا جديدًا من سفر النصر واليقين.فيا غزة، يا سرّ الله في زمن الفتن، يا نايَ الأرض الذي لا يُكسر، يا أيقونة الأنبياء التي لم تُطفئها نيران العصر، سلامٌ عليك في ذكراك الثانية، وسلامٌ على ترابك الذي لم يبع نفسه، وسلامٌ على شهدائك الذين صدقوا، وسلامٌ على وعدك القادم الذي لا يخلف الله ميعاده.

Exit mobile version