عطوان : لماذا لا نلوم سموتريتش ولا نستغرب خرائطه وتصريحاته التي ألغى فيها الأردن وفلسطين من الوجود؟ وهل جاءت هذه “الصفعة” ردا على “هدايا” قمتي العقبة وشرم الشيخ؟
عبد الباري عطوان // فجر اليوم//
نستغرب حملة الإدانات، والشتائم التي إنهالت على بتسائيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي العنصري الإرهابي، من قبل الأردن والسلطة والفلسطينية، وبعض الحكومات العربية بسبب تصريحاته التي وصف فيها الشعب الفلسطيني بأنه شعب وهمي واختراع عمره 100 سنة فقط، وعزز هذه التصريحات التي ادلى بها في باريس في إحتفال بالذكرى الأولى لوفاة إرهابي آخر يدعى جاك كوكبير الذي كان يطالب بقتل العرب، ويأسف لإغتيال اسحق رابين قبل محاكمته كخائن وقع اتفاق أوسلو.
مصدر الاستغراب ان هذه الإدانات، ذات النبرة العالية، تصدر عن ثلاث حكومات (مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية)، شاركت في اليوم نفسه في قمة أمنية في شرم الشيخ، تبنت مشروعا بآليات تنفيذ محددة ودقيقة، لوأد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، حماية للمستوطنين، وتعزيزا لاستقرار وأمن الحكومة الإسرائيلية التي ينتمي اليها سموتريتش، ويعتبر احد اعمدتها الرئيسية، ووصلت الى السلطة بتفويض شعبي لبرامجها الإرهابية العنصرية الإلغائية.
***
الحكومة الأردنية التي ألغت خريطة سموتريتش وجود وطن اسمه الأردن، واعتبرته جزءا أساسيا من إسرائيل الكبرى، طالبت “مشكورة” حكومة نتنياهو بالتنصل من تصريحات سموتريتش فقط، وبلّغت السفير الإسرائيلي الذي استدعته بإيصال هذه الرسالة الى حكومته، وجاءها الرد سريعا بسطرين على حساب وزارة الخارجية الإسرائيلية، وليس الحكومة، على “التويتر” يقول ان هذه التصريحات لا تمثل الوزارة ويبدو واضحا ان هذين السطرين نزلا بردا وسلاما على قبلها، أي الحكومة الأردنية، وأغلقت الملف بالكامل.
ان ترد الحكومة الأردنية على الغاء الدولة الأردنية كليا، واعتبارها ليس الوطن البديل، وانما جزء من إسرائيل الكبرى، باستدعاء السفير، والاحتجاج فقط، وليس طرد السفير، واغلاق سفارته، وتجميد اتفاق وادي عربة، وتأكيد استمرار التزامها بقرارات قمة شرم الشيخ، وقبلها العقبة، باجتثاث كتائب المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتوسيع دائرة التنسيق الأمني مع الأجهزة الإسرائيلية من اجل تحقيق هذا الهدف، هذا الموقف جاء صادما لكل الشرفاء في الأردن، وهم الأغلبية الساحقة، ويشكل قمة الهوان والتخاذل والتواطؤ في نظرنا، وعشرات الملايين من أمثالنا في العالمين العربي والإسلامي.
نحن لا نلوم سموتريتش، ولا ايتمار بن غفير، ولا نتنياهو كبيرهم الذي علمهم التطرف والإرهاب واحتقار العرب، وإلغاء وجودهم، وانما نلوم حكوماتنا والاردنية والفلسطينية والمصرية، على وجه الخصوص التي تتعاطى مع هذه الحكومة، وتنسق معها أمنيا لتصفية المقاومة، ولو كان موقف هذه الحكومات مغايرا، ويتشبت بالثوابت العربية والإسلامية في مقاومة الاحتلال، لما تجرأ هؤلاء على إتخاذ هذه المواقف المهينة، والمذلة، والمعيبة في حق العرب جميعا دون أي إستثناء.
الحكومات الامريكية والأوروبية التي أسست دولة الاحتلال، ودعمت وجودها على حساب الكرامة والأرض العربية، ترفض استقبال نتنياهو واعضاء وزارته، وجوزيف بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي يدينها بشدة بينما تفرش بعض الحكومات العربية لهؤلاء القتلة السجاد الأحمر، بل وتلتزم أمنيا بحمايتهم ووأد أشرف ظاهرة في تاريخ الكرامة العربية، أي كتائب المقاومة في الأراضي المحتلة التي تدافع عن المقدسات والحق، والكرامة لامة نسيت، او حكوماتها تحديدا، شيء اسمه حق وعزة نفس وكرامة ومقدسات.
***
ما يؤلمنا أكثر من إهانات سموترتيش هذه التي تلغي وجودنا في أرضنا العربية والإسلامية، ان هذه الخرائط والتصريحات المعززة لها جاءت في ذروة احتفالنا بالذكرى الخامسة والخمسين لمعركة الكرامة التي انتصر فيها الجيش العربي الأردني على نظيره الإسرائيلي، انتصارا للمقاومة الفلسطينية، ودفاعا عن التراب الأردني العربي المقدس وقدم مئات الشهداء في أول رد للاعتبار بعد نكسة حزيران 1967.
اشتموا سموتريتش مثلما شئتم، لان شتائمكم هذه ومهما بلغت قوتها، ستقابل من قبله وأمثاله بالسخرية والإحتقار، لإنهم سمعوا الكثير منها على مدى 74 عاما، ولم توقف هذه الشتائم بناء حي واحد في مستوطنة إسرائيلية في فلسطين المحتلة، ولسان حالهم، أي سموتريتش ورهطه، يقول اشبعونا شتما وفزنا بفلسطين، وقريبا كل الأردن، وبعض أجزاء من السعودية وسورية، وربما خيبر بعد ذلك… والأيام بيننا.