تقارير

عطوان : كيف يتعاطى العراقيون رسميا وشعبيا مع “سرقة القرن” في الذكرى العشرين للغزو الامريكي؟ ولماذا يتم اعتقال جميع المتورطين في مكتب الكاظمي ويظل كبيرهم حرا طليقا؟ وأين تكمن “ام الفساد” في البلاد في رأينا؟

فجر اليوم //
كيف يتعاطى العراقيون رسميا وشعبيا مع “سرقة القرن” في الذكرى العشرين للغزو الامريكي؟ ولماذا يتم اعتقال جميع المتورطين في مكتب الكاظمي ويظل كبيرهم حرا طليقا؟ وأين تكمن “ام الفساد” في البلاد في رأينا؟ وما هي أبرز طرائفه وكوارثه؟

عبد الباري عطوان

يحتفل العراقيون بالذكرى العشرين لـ”تحرير” بلادهم، وإسقاط النظام الديكتاتوري السابق على أيدي القوات الامريكية وحلفائها، بالحديث هذه الأيام عن ما يسمى بـ”سرقة القرن” التي كشفت هيئة النزاهة العراقية معلومات صادمة عن تفاصيلها، ومن أبرزها سرقة 2.5 مليار دولار من العائدات الضريبية في البلاد، وخزينة الدولة في وضح النهار، حيث أصدر القضاء العراقي اليوم السبت أوامر بالقبض على أربعة مسؤولين في حكومة السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق الذي كان من أبرز رموز المعارضة في الخارج قبل الغزو، ومن بينهم وزير المال والسكرتير الشخصي لرئيس الوزراء، ومستشاره الإعلامي، ولا نعرف لماذا لم تشمل هذه الاعتقالات رئيس الوزراء نفسه بإعتباره المسؤول الأكبر عنهم.
***
الفساد، والسرقات، ونهب المال العام، وغسيل الأموال، وتهريب مئات المليارات من الدولارات الى حسابات بنكية في الخارج، هي الموضوع الأبرز، همسا او علانية، الدائر في الدواوين والمقاهي، والمسامرات العراقية هذه الأيام، ولكن المحاولات الجدية من قبل الحكومات السابقة، وحتى الحالية، لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، والمخجلة كانت وما زالت بطيئة، ونادرة، بسبب الحماية التي توفرها بعض الميليشيات المسلحة لهؤلاء الفاسدين.
في عام 2015 ربما كان السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق (كان من أبرز نجوم المعارضة الخارجية) اول من علق الجرس، عندما أعلن وبالأرقام، ان موازنات العراق المالية منذ الاحتلال عام 2003 وحتى 2015 بلغت حوالي 850 مليار دولار جرى نهب حوالي 450 مليارا منها في عمليات سرقة وفساد، لا أحد يعلم أين ذهبت، لكن من المؤكد ان معظمها جرى تهريبه الى حسابات سرية في سويسرا ولندن ودبي، وأكدت هيئة النزاهة ان نصف الميزانيات السنوية العراقية تذهب الى جيوب المتنفذين الذين غالبا ما ينتمون الى الأحزاب الحاكمة وميليشياتها.
يمكن سرد مجموعة من عمليات السرقة الموثقة، وحسب ملفات الهيئة المذكورة آنفا التي إطّلعنا عليها في النقاط الآتية:
أولا: أكبر وأطرف وأخطر فضيحة فساد حدثت عام 2007 عندما إستوردت الحكومة العراقية في حينها 6 آلاف جهاز للكشف عن المتفجرات عبر شركة بريطانية يملكها عراقي نافذ حسب بعض التقارير، ليتبين بعدها، ان الصفقة التي وقعها مسؤولون في وزارة الداخلية وكانت قيمتها حوالي 400 مليون دولار كانت وهمية وتبين ان الأجهزة المستوردة لا تصلح حتى لكشف الحجارة وليس المتفجرات، وأدت الى قتل آلاف العراقيين.
ثانيا: يشكل قطاع الكهرباء القطاع الأسوأ في العراق قاطبة، حيث ينقطع التيار الكهربائي 18 ساعة في اليوم، ورصدت الحكومة 30 مليار دولار لإصلاحه من اجل توفيرها، طارت المليارات ولم تعد، ولم يعد معها التيار الكهربائي.
ثالثا: جرى تهريب 150 مليار دولار من العوائد النفطية خلال الأعوام الخمسة الماضية، تقاسمها الأحزاب الحاكمة وقياداتها، والحديث هنا أيضا لهيئة النزاهة العراقية، وهناك ترجمة للمحاصصة النفطية وعوائدها اكثر دقة من المحاصصة الطائفية.
رابعا: منحت الحكومة العراقية عام 2008 232 مليون دولار لشركة إيرانية لبناء 200 مدرسة ولكن المشروع لم ينفذ حتى كتابة هذه السطور بسبب الخلافات بين 18 مقاولا عراقيا حول كيفية توزيع هذه الأموال، اختفت الأموال بعد الاتفاق على تقاسمها بين المقاولين، وما زالت نسبة كبيرة من التلاميذ تدرس في العراء، او في الممرات.
خامسا: قامت وزارة التربية عام 2013، او متنفذون فيها بالتورط في عملية تغيير تاريخ إنهاء صلاحية صفقة شحنات من البسكويت المخصص لطلاب المدارس بقيمة 69 مليون دولار ووعد البرلمان والحكومة بإجراء تحقيق، وحتى هذه اللحظة ما زال الشعب العراقي ينتظر التحقيق ونتائجه.

سادسا: هل سمعتم ان خزائن البنك المركزي غرقت ودنانيرها ودولاراتها في المياه في أي دولة في العالم؟ نعم هذا ما حدث لخزائن البنك المركزي العراقي عام 2018، حيث اكد السيد علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي خلال حضوره امام البرلمان تلف سبعة مليارات دينار عراقي من جراء تعرض خزائن مصرف الرافدين لتسرب مياه الأمطار.

سابعا: السيد محمد اللكاش عضو البرلمان السابق قال ان مئات المليارات من الدولارات سرقت من العراق وضاعت ما بين دول الجوار وبنوك أوروبا ودبي وتحولت الى عقارات واستثمارات ضخمة، واكد ان معظم الفساد موجود في المشاريع الوهمية.
***
مصيبة العراق الكبرى، او بالأحرى ام المصائب في العراق، هي الطائفية، وغياب الهوية الوطنية الجامعة، والعملية السياسية التي كرستها الطائفية على أساس دستور المحاصصة الحالي الذي وضع بنوده الجنرال الأمريكي بول بريمر، وبمساعدة خبراء عراقيين وأمميين، ومن أبرزهم السيد الأخضر الابراهيمي ممثل المنظمة الدولية في العراق في حينها.

السيد محمد شياع السوداني رئيس الوزراء الحالي يبذل مشكورا جهودا كبيرة لمحاربة الفساد واقتلاعه من جذوره وإعطاء مساحة اكبر للمحاسبة والنزاهة، ولكن النوايا الطيبة وحدها ليست كافية، بدليل ان كل ما نجح في استرداده من أموال الفساد والنهب هو بضعة عشرات من الملايين حتى الآن من اكثر من نصف ترليون دولار منهوبة.

الإصلاح السياسي والمالي لا يمكن ان يتحقق من خلال استمرار الاحتلال، وتصاعد النفوذ الخارجي، وتعاظم قوة الميليشيات، وغياب جيش قوي، وتجذر المذهبية والطائفية، والنقطة الأخطر من كل هذا وذاك التسمك بشماعة النظام السابق وتحميله كل مسؤوليات الفشل والفساد رغم انه سقط قبل عشرين سنة.

العراق يصدر اكثر من خمسة ملايين برميل من النفط يوميا ومتوسط سعر البرميل 80 دولارا في الوقت الراهن، ومع ذلك لا يجد معظم العراقيين الحد الأدنى من الخدمات العامة من صحة وتعليم ومواصلات وماء وكهرباء والقائمة تطول، والأخطر من ذلك وعلى مدى العشرين عاما الماضية يسود الجمود ويتراجع الابداع في المجالات العلمية والثقافية والهندسية والطبية والتكنولوجية كافة، ولا تقولوا لنا ان السبب هو النظام السابق، وتخلون أنفسكم (أي أصحاب القرار) من أي مسؤولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى