عطوان :كيف كسب “حزب الله” الجولة الأولى من “معركة القدس” دون ان يطلق صاروخا واحدا؟ وما هي المستجدات الخمسة التي كشفت عنها؟ ولماذا لا نستبعد جولة ثانية وشيكة جدا؟ وماذا يعني إعادة فتح الجبهة اللبنانية ومن يتحمل المسؤولية؟
عبد الباري عطوان// فجر اليوم//
رفعت حكومة بنيامين نتنياهو رايات الاستسلام بمختلف الوانها بعد اطلاق سبعين صاروخا، ثلاثون منها من جنوب لبنان، واربعون من قطاع غزة، وأكدت للوسطاء العرب الذين هرولوا لنجدتها انها لا تريد توسيع دائرة الحرب، والدخول في مواجهة مع “حزب الله” اللبناني.
جميع الهجمات الإسرائيلية التي جاءت ردا على هذه الصواريخ، واستهدفت جنوب لبنان وقطاع غزة لم تجرح عصفورا واحدا، وكل قذائفها وصواريخها اصابت حقولا زراعية، او مناطق خالية، وبشكل متعمد، لان نتنياهو الذي أصدر هذه التعليمات بعد التصعيد يدرك جيدا ان استشهاد لبناني او فلسطيني واحد سيفتح على كيانه أبواب جهنم وشبابيكها، لان قرار الرد على “العدوانات” الإسرائيلية والثأر للشهداء في سورية وداخل ايران، والانتصار لمرابطين الأقصى قد اتخذ.
لعل افيغدور ليبرمان وزير الامن الإسرائيلي الأسبق كان الأكثر دقة في توصيفه لمعركة الـ 36 ساعة الماضية عندما قال شامتا “الرد الإسرائيلي على صواريخ لبنان وغزة كان نكتة مضحكة، والردع مقابل “حزب الله” تآكل كليا، وإسرائيل تواجه انهيارا داخليا وعزلة خارجية، ولم تعد تملك قدرة الردع”.
هذا الهدوء السائد حاليا يأتي بسبب المفاجأة الصادمة التي لم تتوقعها حكومة نتنياهو و”صقورها” من أمثال ايتمار بن غفير و بتسليل سموتريتش، ويمكن تلخيص ابرز فصولها وحقائقها الجديد في النقاط التالية:
أولا: “حزب الله” كسب هذه المعركة دون ان يطلق صاروخا واحدا، وترك جولتها الأولى لـ”الاشبال”، واحتفظ بقدرته القتالية وصواريخه، ومسيّراته، الدقيقة للجولة القادمة الأكبر والتي ربما تكون وشيكة جدا.
ثانيا: فتح الجبهة اللبنانية لأول مرة منذ حرب عام 2006، واطلاق صواريخ “الكاتيوشا” و”الغراد” لقصف المستوطنات الإسرائيلية في الجليل المحتل، جاء تأكيدا ليس على وحدة الساحات، وانما وحدة الصواريخ أيضا، وسقوط كل المخاوف والموانع التي كانت تحرم تفعيل هذه الجبهة، ومن سيتحملون المسؤولية ليس من اطلقوا الصواريخ، وانما من جوعوا الشعب اللبناني، وسرقوا ودائعه، وغازه، ونفطه، وحرموه من أبسط متطلبات الحياة الأولية، فقرار الحرب ليس في يد نتنياهو او كيانه، وانما بات في يد المقاومة، وحرمة الأقصى عي الصاعق المفجر.
ثالثا: القبب الحديدية فخر الصناعة الدفاعية الإسرائيلية والامريكية فشلت فشلا ذريعا في اعتراض جميع الصواريخ، سواء من جنوب لبنان او جنوب فلسطين، ووصلت أكثر من ثلاثين منها (من مجموع 70) الى أهدافها، الامر الذي سيؤدي الى “بوار” سمعتها وسوقها، وانفضاض المشترين المحتملين لها، خاصة في منطقة الخليج وأوكرانيا.
رابعا: فضح المزيد من أكاذيب بنيامين نتنياهو وائتلافه الفاشي، وهو الائتلاف الذي وصل الى السلطة على ظهر وعد بتعزيز قوة الكيان وتحقيق الامن لمستوطنيه، في ظل تصاعد العمليات الفدائية لكتائب المقاومة، وحالة الارتباك والرعب التي يعيشها مستوطنوه في ذروة عيد الفصح اليهودي، كل هذا وقبل اكمال حكومة نتنياهو المئة يوم الأولى من عمرها في السلطة.
خامسا: كان لافتا، وربما للمرة الأولى، انه لم يتم اعلان أي جهة فلسطينية او لبنانية، مسؤوليتها عن اطلاق الصواريخ من الجبهتين اللبنانية والفلسطينية (قطاع غزة) الامر الذي يعكس استراتيجية جديدة، عنوانها الأبرز غرفة عمليات عسكرية موحدة شمالا وجنوبا، والدفع عن المكاسب الإعلامية.
“حزب الله” الاب الروحي للمقاومة بشقيها اللبناني والفلسطيني الذي ادار هذه المعركة بدهاء، ومن المقاعد الخلفية، والإسرائيليون يعرفون هذه الحقيقة جيدا، ولكنهم ينكرونها لتجنب المواجهة معه، فمن المستحيل ان تنطلق رصاصة، وليس صاروخا، من جنوب لبنان دون موافقته او الحصول على الضوء الأخضر منه.
***
سبحان مغير الأحوال، فنتنياهو الذي ظل ينفش ريشه ويهدد بتدمير ايران لوحده، وبدون دعم امريكي، طوال فترات رئاسته الست، لا يريد حربا مع “حزب الله” احد اذرعها العسكرية، مما يؤكد حالة الاذلال والهوان والهلع التي يعيشها هذه الأيام.
ندرك جيدا، ان الحرب لم تنته، وان مواجهات يومي الخميس والجمعة الماضيين مجرد الفصل الأول، وربما نصحوا غدا الاحد على اشتعال فتيل مواجهة اكبر حيث يستعد المستوطنون لاقتحام المسجد الاقصى حاملين القرابين، وعلى أي حال الصواريخ والمسيّرات جاهزة للانطلاق، وحالة استعداد المقاومة في اقصى حالاتها.
يوم امس الجمعة أفاق نتنياهو ورهطه على ثلاث صفعات، او لكمات شبه قاضية، الأولى عملية فدائية في غور الأردن أدت الى مقتل ثلاثة مستوطنات في الصباح، وأخرى دهس في وسط تل ابيب في المساء، أدت الى مقتل سائح واصابة سبعة آخرين، وبين الاثنين اطلاق نار على سيارة للمستوطنين في شمال الضفة الغربية، هذه العمليات الثلاث في يوم واحد فقط، ويعلم الله ما تخبئه الأيام المقبلة من صفعات أخرى.
نتنياهو استدعى جنود الاحتياط الأمني والعسكري، في مؤشر واضح على محاولاته لتعزيز الردع ووقف الانهيار وطمأنة مستوطنيه المرتعدين خوفا ورعبا، ولكنها محاولة يائسة، واستعراض فارغ، ورسالة فاشلة لن تعطي مفعولها، خاصة اذا كانت موجهة لفصائل المقاومة، فحتى لو استدعى جميع قوات احتياط العالم، وجيوشه، لن يهزم المقاومة بل ستهزمه.. والأيام بيننا.