عطوان : المانيا تعلن الحرب على “حماس” والمتهمين بدعمها في أراضيها.. ما هي الأسباب الحقيقية والنتائج السياسية والأمنية الخطيرة التي يمكن ان تترتب عليها.. ولماذا تتصدر وزير الداخلية العنصرية هذه الحرب؟ وهل ستواجه مصير نظيرتها البريطانية؟

فجر اليوم //

المانيا تعود، وبشكل متسارع الى جذورها النازية، ولكن ليس لمعاداة اليهود، وانما الجالية الإسلامية التي يبلغ تعدادها أكثر من 4.5 مليون شخص تتمتع الغالبية العظمى منهم بحقوق المواطنة.
السيدة نانسي فيزر وزير الداخلية الأكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، وتكن عداء لا تخفيه للعرب والمسلمين، أدى الى طردها من تصفيات كأس العالم في قطر، هذه السيدة طالبت يوم امس المسلمين المقيمين في بلادها بإدانة حركة “حماس” باعتبارها حركة “إرهابية” حسب التصنيف القانوني الألماني، دعما للحكومة الاسرائيلية وجيشها الذي قتل اكثر من 15 الف فلسطيني نصفهم من الأطفال تقريبا، وأكثر من 35 الف جريح، ودمر نصف منازل القطاع، وهجّر بالقوة حوالي مليون ونصف المليون مدني.
السيدة نانسي اكدت في الوقت نفسه للمشاركين في مؤتمر إقيم لهذا الغرض في برلين، ان المانيا تدعم إسرائيل وتقف معها، وعارضت كل المطالبات بوقف إطلاق النار اسوة بدول أوروبية أخرى، وتزامن موقفها هذا مع شن قوات الامن الألمانية حملة اقتحام وتفتيش لمنازل ومكاتب العشرات من المسلمين المتهمين بالانتماء او التعاطف مع حركتي “حماس” و”صامدون” في 4 ولايات المانية.
 


وزيرة الداخلية الألمانية هذه تذكرنا بنظيرتها سويلا برافرمان البريطانية السابقة التي تبنت مواقف مماثلة ضد الجالية الإسلامية، وحاولت بحكم منصبها كوزيرة داخلية منع المظاهرات الاحتجاجية في لندن، ومدن بريطانية أخرى، وطالبت قيادة الشرطة بتطبيق هذا المنع بالقوة، الامر الذي أدى الى طردها من منصبها لتعارض هذا الموقف مع النصوص القانونية والدستور البريطاني، ونأمل ان تواجه السيدة نانسي فيزر النسخة الألمانية منها المصير نفسه، لأنها باتت تشكل خطرا على المانيا ودستورها وأمنها الداخلي.
لا نعرف الأسباب الحقيقية لهذا الانقلاب، وهذه الكراهية في أوساط المؤسسة الحاكمة في المانيا للعرب، وهذا الدعم الأعمى الإستفزازي لحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، فألمانيا وحتى ما يقرب من عشر سنوات ماضية لم تكن كذلك مطلقا، وانا شخصيا دعيت لإلقاء محاضرات في عدة جامعات المانية وآخرها كلية الحقوق بجامعة هامبورغ، كما دعتني وزارة الخارجية الألمانية للرد على وجهة النظر الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية في ندوة كان معظم حضورها من السياسيين والسفراء والدبلوماسيين، ولم أجد من معظم هؤلاء غير الإشادة والاستحسان، وانا لست من المتحدثين الذين يمسكون العصا من الوسط.
خبير الماني في شؤون الشرق الأوسط معروف بموضوعيته واكاديميته لا يريد ذكر اسمه، اكد لي ان مشاعر الكراهية هذه للمسلمين كانت موجودة، ولكنها مدفونة، وما أخرجها الى السطح حاليا هو وجود اعتقاد راسخ بأن المشروع الصهيوني في إسرائيل (فلسطين المحتلة وهذه من عندي)، يقترب من نهايته، أي الانهيار الكامل، وتخشى المؤسسة الحاكمة من عودة مئات الآلاف من اليهود من أصول المانية الى المانيا.
ربما يكون هذا التفسير ينطوي على الكثير من الصحة، واذا صح فعلا، فان جذور العداء الألماني للغرباء ما زال متأصلا، وكل الحديث عن الديمقراطية وقيم العدالة وحقوق الانسان مجرد قشرة رقيقة سطحية، دون أي جذور.
نحن نعي جيدا ان “التعميم” أسلوب خاطئ، ولهذا نعترف بأن هناك قطاعا من الشعب الألماني يؤمن بالعدالة والمساواة، ويدين التطرف، ويتمسك بقيم حقوق الانسان، ويقّر بدور الالمان من ديانات واعراق أخرى في المساهمة بفاعلية في نهضة البلاد الاقتصادية وأمنها واستقرارها.


ان هذه المواقف الأوروبية والألمانية تحديدا، الداعمة للمجازر الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني على ايدي الفاشية الإسرائيلية القديمة المتجددة، باتت تشكل أحد أكبر المخاطر على أمن القارة الأوروبية والعالم بأسره، خاصة انها تأتي في ظل أزمات سياسية واقتصادية حادة نتيجة لتوريطها أمريكيا في حرب أوكرانية عظمى، وأخرى زاحفة في الشرق الأوسط ضد العرب والمسلمين بتحريض إسرائيلي.
هناك 53 مليون مواطن أوروبي مسلم يتوزعون في معظم بلدان القارة الأوروبية، وهؤلاء لعبوا دورا كبيرا في الرخاء الاقتصادي الحالي، بكونهم أيدي عاملة رخيصة، جرى تشجيع هجرتهم من اجل هذا الغرض، لملأ الفراغ الناجم عن انخفاض المواليد، وارتفاع اعداد المسنين الهرمين، واي استفزاز عنصري لهؤلاء ستترتب عليه عواقب وخيمة على أمن أوروبا واستقرارها.
أخيرا نقول لهذه الوزيرة الألمانية وكل المتطرفين العنصريين من أمثالها ان الالمان هم الذين نصبوا اركان المحرقة، وارتكبوا إثم الهولوكوست وليس العرب والمسلمين الذين يدفعون ثمن هذه الخطيئة بتشريد اكثر من 12 مليون فلسطين، وجاء الآن دور إبادتهم وتطهيرهم العرقي بالطريقة النازية الالمانية نفسها، وان بأساليب مختلفة، ومثل هذه المواقف الأوروبية لن تمر دون رد، وبأشكال مختلفة.. والأيام بيننا.

Exit mobile version