فجر اليوم //
لسقف الذي وضعته صنعاء وتتمسك به، لا يمكن قياسة إلا بإيقاف العدوان على غزة وفتح المعابر وإنهاء الحصار، وكان على أمريكا وحلفائها أن لا تخطئ في تقديراتها لاختيار زمن ومكان المعركة، وأن لا تدخل في حرب مباشرة مع اليمن الذي اتضح أنه يخوض معركة عربية قومية مقدسة لا يمكن التخلي عنها، وأنه قادر على الردع وفرض هيمنته وسيادته ومواصلة الدفاع عن الأمن القومي العربي، لقد ارتكبت أمريكا وبريطانيا خطأً فادحاً بعدونها على اليمن، بعد اعتقادها أن ذلك يمثل هدفاً تكتيكياً واستباقياً قد يجعلها تكسب المعركة البحرية وأن بمقدورها التأثير على القرار اليمني، لكنها بدت مصطدومة أمام زحف الشعب اليمني الذي اتسعت شهيته للمواجهة المباشرة مع أمريكا وإسرائيل، وبات موقفه أكثر وضوحاً وحدة، وأن أي اعتداء وعدوان على أراضيهم لن يمر دون عقاب أو ردع أياْ يكن الثمن، فخسرت بذلك أمريكا وبريطانيا أمن سفنها التي أصبحت ضمن مرمى الأهداف المباشرة للجيش اليمن، بعد أن أعلن كل السفن والقطع الحربية الأمريكية والبريطانية المشاركة في العدوان على البلاد أهدافاً معادية، وبدلاً من التوقعات والرهانات التي كانت تجزم قطعاً بالتأثير على قرار صنعاء، فقد ارتفعت وتيرة المحاولات التي بذلتها تبذلها أمريكا وبريطانيا لاحتواء الرد اليمني ديبلوماسياً تحت مبرر عدم الرغبة في توسيع دائرة الصراع.
تحالف الغرب الذي تزعمته أمريكا تحت مسمى «حارس الازدهار» نفذ كل تهديداته، ومضى في عسكرة البحر الأحمر واستمر زحف البوارج الحربية والفرقاطات الأمريكية والغربية، دون أن يجلب لها النصر، بل كان سبباً لغرقها في دوامة الحرب واتساع المخاطر وتهديد الهيمنة والوجود الإمريكي البريطاني على الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي، فلم يعد بمقدور أي سفينة المرور من باب المندب مالم تحمل عبارة «لا علاقة لنا بإسرائيل»، ومالم ترفع رايتها أمام سيادة اليمن والامتثال لدعواتها والتبرأ من أي ارتباط لها بالكيان الصهيوني، فالأهداف المستمرة لقوات البحرية اليمنية أدت إلى انهيار ثقة غالبية شركات الملاحة الدولية بتحالف «حارس الازدهار»، وارتفعت كلفة تأمين السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر إلى عشرة أضعاف، وفي ظل نجاح الضربات المباشرة لقوات الجيش اليمني اتسعت مخاطر المعركة البحرية، وأصبحت هوية “واشنطن ولندن وتل أبيب هي الأضعف والأسوأ سمعة في المنطقة، وفي أخر التطورات المتسارعة للمعركة البحرية نشرت وكالة “بلومبرغ” الأميركية ليلة أمس، تقريراً يؤكد مضي شركات التأمين لـ “وضع قيوداً في سياساتها المتعلقة بمخاطر الحرب، وترفض تغطية السفن المرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وإسرائيل، التي تبحر عبر البحر الأحمر”.
بعد الـ 100 يوم للحرب على غزة ، تغيرت معادلات الهيمنة وازدادت الوقائع الميدانية تعقيداً، ودخلت أمريكا وبريطانيا في دوامة الحرب مع اليمن، وتواجه معضلة في كيفية مواجهة التحدي الذي تمثله المعركة البحرية، في ظل تراجع قوة الردع الأمريكية، فبالرغم من أنها ترى نفسها مسؤولة عن رفع الحصار البحري عن إسرائيل، إلا أنها لن تقبل أن تكون هي الحارس لتجارة أوروبا، فبعد الهزيمة العسكرية لنتنياهو الذي أصبح حملاً ثقيلاً على الغرب، يتجه اليوم باستماتة لممارسة ضغطه على الغرب، والسعي لتوريطه في حرب إقليمية موسعة يستطيع من خلالها الهروب من خسارته في الحرب على غزة، ولعل مسارات ذلك الضغط ربما تسفر عن تشكيل وتكوين تحالف أوروبي لحماية الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، فما الذي قد يفعله التحالف الأوروبي الجديد في أعقاب فشل التحالف الغربي الأول «تحالف حارس الازدهار» بزعامة أمريكا، وكيف له أن يتجاوز الخط الأحمر وأن يكسر قواعد الاشتباك مع اليمن الذي استعاد دوره الريادي، وأصبح لاعباً مؤثراً في حغرافيا معقدة، ويتمركز على أهم ممر بحري في العالم، وبإمكانه تحويل موقعه الجيوستراتيجي إلى قوة ضاربة تمكنه من فرض سيادته، وفي ظل ما يتمتع به من نفس طويل في خوض الحروب، فهل ينساق الغرب مجدداً وراء تباكي نتنياهو المهزوم، أم أنه قد أدرك جيداً أنه ليس بوسعه فعل شيئ؟ وأنه بدلاً عن ذلك، عليه الاستفادة من الدرس الذي تم تلقينه للتحالف الأمريكي ولم تنتهِ فصوله بعد، ولا زالت الفرقاطات والأساطيل الحربية عاجزة حتى عن حماية نقسها.
- صحفي عربي – اليمن