آراءالأخبارالسيد الحوثيالصورة تتكلمالكيان الصهيونيالوطن العربيتوقعات السياسيينحكاياحياتناسياسيةصنعاءعسكريةغزةفلسطينمقالاتمنوعات
أخر الأخبار

‏”خيط الشرف الممتد من غزة إلى صنعاء”


أخبــــــــــار_مقالات #فجر_اليوم //
رهيب التبعي
نحن — إن لم نضحِّ أفرادًا وجماعاتٍ على طريق القدس — فحقٌّ لنا أن نشك في صدق توجّهنا، لأنَّ دربَ العزة لا يُعبَدُ بالشعارات، بل بالدماء والعرق والمواقف، ولأنّ الله تعالى قد ربط بلوغ البرِّ بالبذل الصادق: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]. هذه الآية ليست موعظةً أخلاقيةً فحسب، بل منهج حياةٍ للأحرار في زمنٍ تتقاطع فيه مسارات النضال من فلسطين إلى اليمن، ومن غزة إلى صنعاء.
قبل عامٍ من اليوم، رحل القائد الشهيد يحيى السنوار، رحل مقبلاً غير مدبر، ثابتًا على المبدأ حتى آخر الأنفاس، تاركًا خلفه إرثًا لا يُقاس بعدد البنادق ولا بطول الخنادق، بل بصدق الإيمان وعمق الالتزام. رحل السنوار بعدما أعاد تعريف القيادة: أن تكون في قلب النار لا خلف المكاتب، وأن تُقدّم الجسد قبل الشعار، وأن تُقاتل لأنك تؤمن بأنّ الحرية أثمن من الحياة.
لم يكن السنوار رجل حربٍ فحسب، بل كان رجل وعيٍ ورؤية. أدرك أنّ العدوّ لا يُهزم بالسلاح وحده، بل بعقيدةٍ تقهر الخوف وتؤمن بأنّ الشهادة ليست نهاية الطريق بل بدايته. كان يدرك أن الدماء حين تُسفك في سبيل القدس تُولَد منها أمة جديدة، وأنّ من يختار هذا الدرب لا يموت، بل يتحوّل إلى رمزٍ يُلهم أجيالًا من المقاومين.
وفي الذكرى الأولى لرحيله، يبدو المشهد أكثر وضوحًا: السنوار لم يرحل فعلاً، لأنّ الفكرة التي عاش لها ما زالت حيّة في وجدان الأمة، تترجمها مقاوماتٌ في ميادين مختلفة، وجبهاتٌ تتقدّ بالعزيمة ذاتها، حتى كأنّ روحه صارت تسكن كل مقاتلٍ يرفع راية التحرير. لقد فاز السنوار، لا لأنه هزم عدوًا عسكريًا فحسب، بل لأنه انتصر على زمن الخوف والخذلان، وانتصر للمبدأ الذي لا يُباع ولا يُساوَم.
وفي ذات اليوم الذي نُحيي فيه ذكرى السنوار، تُودِّع صنعاء شهيدها القائد اللواء محمد الغماري، أحد أبطال معركة الإسناد، الذي رحل ثابتًا على الموقف ذاته الذي جمع أحرار الأمة في معركة الكرامة. رحيله لم يكن صدفةً في التاريخ، بل رسالةٌ من القدر: أن خيط الشرف واحد، وأنّ الدم الذي يسيل في غزة هو ذات الدم الذي يُراق في صنعاء، وأنّ الميادين — مهما اختلفت جغرافيتها — تتحد في هدفها ومعناها.
ما بين السنوار والغماري، خطٌّ من نورٍ يربط العواصم الحرة ببعضها، من القدس إلى صنعاء، مرورًا بكل بقعةٍ قاومت واستعصت على الهيمنة. كلاهما آمن بأنّ العدوّ واحد، مهما غيّر الأقنعة، وأنّ معركة الأمة ليست مع حدودٍ سياسيةٍ رسمها الاستعمار، بل مع منظومةٍ صهيونيةٍ غربيةٍ واحدةٍ تستهدف إرادة التحرر في كل أرضٍ عربيةٍ وإسلامية.
لقد أدرك الغماري، كما أدرك السنوار، أنَّ التضحية ليست خيارًا تكتيكيًا، بل قدر الأحرار الذين آمنوا بأنّ الطريق إلى القدس يمر من كل عاصمةٍ حرةٍ تقف في وجه الطغيان. ومن أراد الله به خيرًا، جعله شهيدًا في مواجهة أشد أعداء المؤمنين، ليختم حياته كما عاشها: مقاتلًا، لا متفرجًا.
إنّ تلاقي الدم اليمني والفلسطيني على أرض المعركة ليس مجرد تفاعلٍ سياسيٍّ أو تضامنٍ إنساني، بل هو توحيدٌ للعقيدة والمصير. فصنعاء التي ودّعت الغماري اليوم، تُعلن للعالم أنّها ليست عاصمةً تبحث عن دورٍ، بل عاصمةٌ تصنعه بدم أبنائها. وأنّ القضية الفلسطينية لم تعد حكاية شعبٍ يُقاتل وحيدًا، بل قضية أمّةٍ تتوحّد على البندقية، على الموقف، على الإيمان بأنّ الحرية لا تُمنَح بل تُنتَزع.
وهكذا، يتكرّر المشهد ذاته الذي وعد الله به عباده الصادقين: من ينفق مما يحب، ينل البر، ومن يضحي بنفسه في سبيل الله، يخلُد في ذاكرة الأمة. فالموت على طريق القدس حياة، والحياة في ظلّ الذلّ موت. وبين الموتين، يختار الأحرار مصيرهم: أن يُقتَلوا فيُحيوا، وأن يُغيِّبهم العدوّ جسدًا فيُخلِّدهم المبدأ روحًا.
إنّ ذكرى السنوار، ووداع الغماري، تكتبان معًا فصلًا جديدًا في ملحمة التحرر العربي والإسلامي، حيث تلتقي البندقية الفلسطينية بالصاروخ اليمني، وحيث تتكامل جبهات النصر في وجه مشروعٍ واحدٍ أراد للأمة أن تنكسر، فكانت دماء الشهداء أعظم ردٍّ على هذا المشروع.
وسيبقى السؤال الموجّه لكل الأحياء:
هل نحن — حقًّا — صادقون في وجهتنا نحو القدس؟
فمن لم يُضحِّ، لم يُجرّب بعدُ صدق الانتماء. ومن لم يعرف طريق البذل، لن يبلغ البرّ الذي وعد الله به عباده الصادقين.
وفي النهاية، لا نقول: رحل السنوار والغماري، بل نقول: بدأ عهدهم، وبهم تستمر الطريق.
ففي كل شهيدٍ يولَد ألف مقاتل، وفي كل تضحيةٍ تنبتُ أمة.
وما بين غزة وصنعاء، يسطع وعد الله:
أنَّ البرَّ لا يُنالُ إلا بالتضحية، وأنَّ النصرَ لا يأتي إلا بثمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى