حميد قرمان: السعودية والمعسكر الثالث

فجر اليوم//

انتقلت مكانة المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية مؤثرة في المشهد الدولي إلى قوة دولية تفرض رؤيتها على المسرح الدولي وأحداثه الجارية. ولعل القرار ذا النسق الجمعي للدول المنتجة للنفط بقيادة السعودية بخفض إنتاجها النفطي لنهاية العام الجاري، كإجراء احترازي لتحقيق التوازن والانسجام في سوق الطاقة الدولية، يدل على أن معسكرا جديدا بدأ بالبزوغ على الساحة السياسية الدولية، وأن الاصطفافات التقليدية بين المعسكرين الصيني – الروسي والأميركي – الأوروبي انعكست على ملف الطاقة، كونه الملف الأهم حاليا، لتقود السعودية توجها اقتصاديا بمسار سياسي مغاير لمصالح المعسكرين المتصارعين على قيادة العالم الجديد.

خطوة السعودية، وما تلاها من خطوات مماثلة لدول منتجة للنفط، تثبت مجددا واقعية قراءة القيادة السعودية لتعقيدات المشهد السياسي الدولي ومساراته التي ستنتهي بالمزيد من التأزيم الذي يؤجج الصراع على المسرح الدولي، فالموقف المحايد تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية، وسياسة التوازن الدبلوماسي بين جمهورية الصين الشعبية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، والانفتاح الحذر والمتدرج مع الجمهورية الإيرانية لتتعامل مع أجنداتها في المنطقة بمقاربة سياسية مختلفة، وتبني عودة سوريا إلى الحضن العربي من خلال قمته القادمة على أراضيها، واستمرار سياسة الندية في التعاطي مع الإدارة الأميركية، والمحافظة على الموقف التاريخي من القضية الفلسطينية، كلها عوامل ساهمت في المكانة التي أصبحت عليها الآن.. في تطور وتسلسل تصاعدي لسياسات “العهد السلماني” للمملكة الذي أعاد تشكيل المكانة السعودية على الخارطة الدولية وطرحها بشكل يؤهلها لأن تقود معسكرا ثالثا محايدا بدأت ملامحه بالوضوح، ويقف على مسافة واحدة من طرفي الصراع، دون الغرق في مستنقع التهور السياسي والاقتصادي الذي يقودانه، والقائم بالمحصلة على الاستناد إلى محيط عربي داعم وباحث على مغادرة السعودية مربع الكلاسيكية أو المثالية في سياساتها إلى الواقعية كنهج في التعاطي مع الملفات السياسية الدولية.

مجددا، السعودية اليوم بموقعها الجيوسياسي، ورؤاها الاقتصادية المتقدمة وقيادتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية، مطالبة بخلق هذا التوازن السياسي بين المعسكرين، والخروج باصطفاف موحد ينقل التجربة الناجحة في قيادة مجلس التعاون الخليجي ذي الأبعاد السياسية والاقتصادية الموحدة لتصبح التجربة ذات أبعاد عربية وإقليمية ودولية، في لحظة حرجة سياسيا على الصعيد الدولي، تأفل بها نجوم بعض الدول وينبلج بعضها الآخر، لتنبثق قوى عالمية جديدة في عودة حتمية لسيناريو عالم متعدد الأقطاب.

Exit mobile version