– تحقق الانتصار الإلهي العظيم للمسلمين، وكان نصراً قوياً، فاجأ الأعداء، وفاجأ المتربصين، سواءً من كانوا متربصين في المدينة، من المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، واليائسين، وضعاف الإيمان، أو من البقية، من المحيطين بالمجتمع المسلم، مثلما هو الحال بالنسبة لليهود وبقية القبائل العربية الأخرى
– أسس الله بهذا الانتصار لمرحلةٍ جديدة، أصبح للمسلمين فيها هيبتهم وعزتهم، وأعزهم الله بذلك النصر بعد الاستضعاف الكبير، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
– فكان فعلاً يوماً فارقاً، وكانت تلك المعركة فارقة، ما بعدها اختلف تماماً عمَّا قبلها، في عزة المسلمين، في هيبتهم، في أمل الآخرين، الذين كانوا مضطربين ومترددين: هل سينتصر الإسلام لو واجه تحدياً عسكرياً؟ هل سيتمكن من تحقيق النصر والثبات والاستمرار، أم أنه عند أول عاصفة وفي بداية أول تحدٍ عسكري يمكن أن يتغير كل شيء؟
– وأخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفاً من الحصباء ملأ كفه من الحصباء ورمى به أثناء اشتداد المعركة
– رمى به في وجه المشركين، وقال: (شاهت الوجوه) صاح بهم بهذا: (شاهت الوجوه)، ومكَّن الله منهم
– واستحر فيهم القتل، في أبطالهم، وفي كبارهم وشخصياتهم المؤثرة والبارزة؛ فقتل من مقاتليهم وأبطالهم ما يقارب، أو حسب الإحصائيات (سبعين قتيلاً)، وأسر منهم (سبعون)، وانهزموا هزيمةً كبيرة
– يقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا}
– فعلاً أتى التأييد الإلهي حتى في وقت تلك الرمية، التي كان لها أثرها العجيب جداً مع أنه رماهم بالحصى، ولكن كان لتلك الرمية أثرها الكبير مع الفعل، مع الموقف، مع القتال، مع الاشتباك
– يأتي التأييد الإلهي بأشكال كثيرة، ولكن مع قيام المؤمنين بمسؤولياتهم وما عليهم، وأخذهم بأسباب النصر، وأخذهم بأسباب النصر.
-المسلمون في هذا العصر في أمسِّ الحاجة لاستلهام الدروس والعبر من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهاده؛ لأنه فيما بعد غزوة بدر استمرت السرايا، والغزوات، والحروب، والمعارك الكبرى مع المشركين بمختلف فئاتهم
– كلها حقق الله فيها نتائج مهمة للمسلمين: ثبَّتت قواعد الإسلام، وكذلك مكَّنت المجتمع الإسلامي من النهوض، وأن يبني نفسه؛ ليكون له دوره العالمي في إطار الرسالة الإلهية
– المسلمون أيضاً بحاجة إلى فهم صحيح لفريضة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها فريضة استهدفت بالتهميش والتغييب، غاب وقل الحديث عنها، سواءً في المناهج التعليمية، سواءً فيما يتعلق بالإعلام والبرامج الإعلامية، أو على المستوى التثقيفي والفكري
– تعرضت هذه الفريضة العظيمة المقدسة المهمة للتشويه، شوِّهت بشكلٍ كبير، شوِّهت من جانب التكفيريين، وبعض الأنظمة التي تدعمهم بإشرافٍ أمريكي، وتوجيهٍ غربي، والتشويه من جوانب كثيرةٍ جداً
– سواءً في تحديد من هو العدو، أو في الممارسات الوحشية والإجرامية، من قتلٍ للأبرياء، من عمليات انتحارية في المساجد، في الطرقات، في الأسواق، في المستشفيات
– سورة الأنفال قدَّمت أهم توثيق لغزوة بدر وليوم الفرقان، وقرنته بالدروس والعبر والمعارف المهمة جداً
– فهي غنية بما فيها من المعارف ذات الأهمية الكبيرة التي تبني هذه الأمة، ليكون لديها رؤية متكاملة في الجهاد في سبيل الله، وفي التحرك في إدارة الصراع مع أعداء الله بشكلٍ صحيح، ومن كل الجوانب
– سورة الأنفال تذكر كل الجوانب: الروحية، المعنوية، العملية، الاجتماعية، تحيط المسألة من كل جوانبها.
– في هذا العصر الذي حاولت الدول الغرب والدول الأخرى أن تقدِّم نفسها بأنها دول حضارية، وأنَّ هذا العصر هو عصر حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير للشعوب، تبقى الحالة مختلفة لدى المسلمين
– يركِّز الأعداء على احتلال أوطان المسلمين، على فرض قواعد عسكرية فيها، على نهب ثرواتهم، على التحكم فيهم على كل المستويات: السياسية، والاقتصادية، على التأثير عليهم، والضغط عليهم للتغيير في فكرهم، وثقافتهم، ومناهجهم الدراسية، والتحكم بها وبمخرجاتها
– ليس هناك أمة تعاني من الاستهداف لها، والتدخل في شؤونها، والضغط عليها، والنهب لثرواتها، وحياكة المؤامرات لإثارة الفتن فيها، وإغراقها بالأزمات، مثل ما هو حال المسلمين، فنحن الأمة الأكثر استهدافاً بين كل أمم الأرض وشعوبها، وهذه حالة واضحة جداً
– المسلمون هم من يتعرَّضون للغزو إلى بلدانهم، وأوطانهم، وللاحتلال، وللإذلال، وللإهانة، ولجرائم الإبادة الجماعية، تُرتَكب بحقهم، ولا نزال نسمع في كل مرحلة عن إبادات جماعية للمسلمين هنا أو هناك، وهذا على مدى التاريخ، وفي عصرنا الراهن كما قلنا.
– الجهاد في سبيل الله ضروريٌ هو عامل بناءٍ مهم، وحافز لنهضة الأمة، وحافزٌ لها لتسعى لتكون قويةً في كل المجالات، وهذه المسألة معروفة في مختلف الأمم والبلدان
– التحدي يعتبر حافزاً مهماً، وأن حالة الصراع، والمخاطر، والمخاوف، التي تُحَرِّك الأمة عملياً لتبني نفسها لتكون قوية، هي من أهم الدوافع والعوامل لبناء أي أمة
– لو نأتي إلى كل البلدان التي نهضت، وتطورت، وتقدمت، وبنت نفسها لتكون قوية، سنجد أن لديها حافزاً مرتبطاً بالصراع والتحدي، ومواجهة الأخطار، وأنها حوَّلت هذا إلى حافز قوي، ملهم ومؤثر في أن تتحرك بفاعلية واهتمام كبير
– حينما غابت من واقع المسلمين، الذين دُجِّنُوا بطريقة غريبة جداً وكأنه ليس لهم أعداء، ولا عليهم تحديات ولا مخاطر، ولا ليس هناك ما يدعو إلى أن يتحركوا ليكونوا أمةً قوية في كل المجالات. فالصراع بنفسه هو حافز مهم للبناء، وللنهضة، والسعي للقوة.
– يتضح لنا من خلال النصوص القرآنية، والاهتمام الكبير جداً لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بأمر الجهاد، ضرورة الجهاد، هذا من أهم ما ينبغي أن نستوعبه، لأن الصراع حالة قائمة في واقع البشر
– المسألة أن الصراع هو جزءٌ من حياة المجتمع البشري، وحالة قائمة في الواقع، ومستمرة، مستمرة، البشر بينهم أشرار، بينهم طغاة، بينهم مجرمون، يثيرون الشر، يعتدون، يرتكبون الجرائم، يظلمون عباد الله
– فلابدَّ من الجهاد؛ لدفع شرهم، لدفع خطرهم؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}
– الواقع والأحداث تثبت ذلك، في تاريخ البشر فيما قد مضى وإلى اليوم كم هناك من جهات ومن أشرار ومن طغاة سيئون، يتجهون هم ويتحركون هم للعدوان على الناس، لارتكاب الجرائم، لظلم المجتمع البشري
– فليس التشريع بالجهاد هو الذي أثار المشكلة في واقع البشر، ولكنه لحماية الناس، ولدفع شر الأشرار، ولإنقاذ المستضعفين؛ أمَّا الله سبحانه وتعالى فهو غنيٌ عن عباده.