فجر اليوم//
نقلاً من محاضرات الشيخ العلامة ( عبد الله عيظه الرزامي) في في سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ..
ونحن في هذه الأيام المباركة نعيش ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمد سيد النبيين والمرسلين وبنت أم المؤمنين خديجة الكبرى إحدى سيدات نساء العالمين وأم سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام وزوج وصي رسول الله «صلوات الله عليه وعلى آله» و أبو عترته وحامل رايته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سيد العرب ، وهي أم أبيها فلنصغِ سوياً إلى سيد الأنبياء والمرسلين.
من أكرمه الله بالقرآن واجتباه بالحجة والبيان وهو يصف فاطمة الزهراء عليها السلام قائلاً : « وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الإنسية» ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 إن الله ليرضى لرضى فاطمة ويسخط لسخط فاطمة )
تزوجت وعمرها خمسة عشر سنة وهو من هو في علمه ومعرفته ويروى أن جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتفاحة من الجنة فأكلها ويقال بتفاحتين من الجنة فأكل رسول الله واحدة وأكلت خديجة واحدة فكانت منهما فاطمة ، وروي عن النبي أنه كان يقول إذا اشتقت لرائحة الجنة قبلت ابنتي فاطمة .
فتحت السيدة فاطمة عليها السلام عينيها على نور الوحي وهبوط جبريل إلى أبيها بآيات القرآن الكريم وهي تنزل على قلب أبيها وفتحت عينيها على شخص والدها الذي كان قرآناً يمشي على الأرض والذي وصفه ربه بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم” وقوله ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” فشملتها رحمة الله ورحمة أبيها وفتحت أيضا عينيها على أمها الطاهرة خديجة الكبرى السيدة الطاهرة المحسنة المنفقة الباذلة مالها في سبيل الله العاقلة اللبيبة الحازمة التي ضربت أروع الأمثلة في التضحية والجود والصبر والثبات و في بيت ترى إخوانها وأخواتها زينب وأم كلثوم ورقية وهند بن أبي هالة وهم داخل ذلك البيت المحفوف بالرحمة الذي لا يلتقي إلا الحنائف فيه والحنفاء ، وعلى بيت ضم الإمام علي عليه السلام وزيد بن حارثة وأم أيمن رضي الله عنهم يلتفون حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالتفاف السوار بالمعصميتلقون منه معالم هذا الدين ويتبعونه اتباع الفصيل أمه كما عبر عن ذلك الإمام علي عليه السلام في اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله إذ يقول : ( وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل .. الى أن قال .. وكنت أتبّعه اتبّاع الفصيل أثر أمه ) ، إن آوى رسول الله إلى بيته التفوا حوله وإن اتجه إلى بيت الله ليطوف بالكعبة اقتفوا أثره وساروا على نهجه وقالوا بقوله ومضوا على هديه وإن اختلى إلى مكان خلوته وعبادته بجبل حراء كان الإمام علي عليه السلام لا يفارقه وعين خديجة بعد الله ترقبه ترسل إليه ما يحتاجه من طعام وشراب وتسأل عن أخباره ويتلهفون شوقا إلى ما يوجههم به رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ولقد كان ذلك الغار الذي في أعلى قمة جبل حراء محبباً إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لينقطع إلى الله وليتأمل في ملكوت السماوات والأرض ومن شرفه الله بالوصول إلى ذلك المكان يدرك معاني الخلوة والانقطاع والتأمل وما كان يلاقيه رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه حتى يستأنس بذلك المكان وحين أمر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله بأن يجهر بدعوته ويبلغ رسالته وينذر عشيرته الأقربين تكالبت قريش وازداد حقدها وغضبها على رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وأهل بيته والقلة الصادقة المستضعفة من أتباعه الذين آمنوا به وصدقوه رضي الله عنهم وأرضاهم فانهال عليهم أولئك الطغاة من جبابرة قريش ضرباً وتعذيباً وإقصاءً فمنهم من يعذب على الرمضاء ومنهم من يعذب بالنار ومنهم من يضرج بدمه ومنهم من قتل تحت وطأة التعذيب ومنهم من يجر بالسلاسل وهددوا عم رسول الله صلى الله عليه وآله أبا طالب أو يسلم لهم ابن أخيه لكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الواثق بربه المتوكل عليه المتيقن مما هو عليه قال لعمه (( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه (( فقال له عمه )اصدع بما تؤمر فو الله لا أسلمك أبدا( ،مما دفع بقريش إلى فرض الحصار، كل ذلك على مرأى و مسمع من السيدة الطاهرة أم أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام التي رأت بعينها وسمعت بأذنها عظمة ما ينزل على قلب أبيها من وحي الله القرآن المجيد وما هو عليه من مكارم الأخلاق والشجاعة والكرم والإيثار والصدق والأمانة والحرص على هداية الناس وإغاثة الملهوف ونصر المظلوم والعبادة الخالصة لوجه الله ونبذ الأصنام وما كانت عليه الجاهلية وإحياء القيم التي جاءت بها الأنبياء عليهم السلام إلى درجة أهلت والدها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أن يكون سيد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.
وكلما ازداد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نوراً وبهاءً ازدادت قريشٌ حقداً وعلواً واستكباراً فلم تكتفِقريش بحصار رسول الله وأهل بيته في شعب أبي طالب بل كانت تعد الخطط لمواجهة دعوة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشتى الوسائل أو تصفيته جسدياً فتارةً يقولون عنه صلى الله عليه وآله وسلم شاعراً وتارةً مجنوناً وأخرى يقولون كاهناً ساحراً وتارةً يقولون أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً، وإذا تحرك لدعوة الناس الذين يفدون على بيت الله حجاجاً في مواسم الحج أو معتمرين تحركوا للصد عن دعوته وإشاعة الأكاذيب عليه واستخدام بعض أقاربه كـعمه أبي لهب لتشن الدعايات الكاذبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يمضي يومٌ واحدٌ إلا وكانت قريش تنصب لرسول الله العداء وتهم بقتله ويمنعها من ذلك الله جلَّت قدرته الذي قال لرسوله }فَاصْدَعْ بِمَا تؤُْمَرُ وَأعَْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ { وقال له} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتهَْزِئِينَ { ووقوف عمه أبي طالب وعمه حمزة وجعفر وعلي وفتيان بني هاشم وقد ذكر لنا الرواة أن امرأة لقيت حمزة بن عبدالمطلب وهو عائد من القنص فقالت له يا أبا عمارة: لو سمعت ما نال ابن أخيك محمد بن عبد الله من أبي الحكم بن هشام أغلظ له من القول، فتحرك حمزة يبحث عن الحكم بن هشام فوجده بين فتيان بني مخزوم فدنا منه حمزة فشجَّه بقوسه في رأسه وقال له: أسببت محمداً وأنا على دينه ؟ ردها عليَ إن استطعت فغضب بعض فتيان بني مخزوم ولكن أبا جهل أدرك أن الأمر جد فقال يستعطفهم ) أنا سببت ابن أخيه ( فالسب لرسول الله والتكذيب وإثارة الشائعات والصد عن دعوة رسول الله ومحاولة تصفيته جسدياً ومقاطعته وإلحاق الضرر به التي تقوم بها قريش باستمرار يتصدى لها أبوطالب وحمزة وفتيان بني هاشم وإليك الشاهد بأن عليا وحمزة وجعفر كانوا يحيطون برسول الله في يقظته ومنامه روي في كتاب شمس الأخبار من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله )كنا رقوداً بالأبطح ليس منا إلا مسجى بثوبه علي عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة عند رجلي فما نبهني من رقدتي غير خفيق أجنحة الملائكة وبرد ذراع علي تحت خدي فأنبهني من رقدتي وجبريل عليه السلام في ثلاثة أملاك فقال له بعض الأملاك الثلاثة ياجبريل إلى أي هؤلاء أرسلت فحركني برجله فقال إلى هذا وهو سيد ولد أدم عليه السلام وقال له أحد الثلاثة وماهو اسمه فقال هذا محمد صلى الله عليه وعلى آله سيد المرسلين وهذا عليٌ خير الوصيين وهذا حمزة سيد الشهداء وهذا جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ويروى أن أبا طالب كان إذا خشي أمراً من قريش على ابن أخيه استدعى فتيان بني هاشم ويأمر كل فتى منهم بأن يأخذ سيفه ويقف خلف زعيم من زعماء قريش وكانت هذه الأعمال تشكل بعد رعاية الله وحماية لنبيه ردعاً لما تخطط له قريش . وأما ما يروى من أن أبا الحكم وضع سلى جزور على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساجد فلا نراه صحيحاً لأنشخص الرسول ومكانته وما يحصل له من هيبة ووقار ودفاع الله عنه ووقوف أعمامه الى جانبه كأبي طالب وحمزة يحول دون وقوع مثل تلك الأعمال، ولما يروى أن أبا جهل كان يتمنى أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجة إليه حتى يتشفى من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم برّدّه ، فجاء رجل مظلوم يشكو أن أبا جهل مطله حقه فّدّله بعض رجال قريش على رسول الله فجاء رسول الله الى ابي جهل فقال: اعط الرجل حقه فقام أبو جهل مسرعاً يعطي الرجل حقه، فسُئلَِ أبو جهل: ألم تتمنى أن يكون لمحمد بن عبدالله حاجةً إليك؟ قال : ويحكم إني رأيتُ فحلاً من الإبل عن يمينه وثعبان عن يساره لو تأخرت لالتهمني، أفيرى أبو جهل فحلاً من الإبل عن يمين رسول الله وثعبان عن يساره ورسول الله يأمره بإعطاء الرجل حقه ولا يرى ذلك وهو يرمي بتلك السلى المزعومة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساجد بين يدي الله؟ هذا بعيد كل البعد من جميع النواحي، ولكن إفلاس المؤرخين أنهم لا يذكرون إلا مثل هذه الحادثة عن فاطمة طيلة حياتها مع رسول الله في مكة اثنا عشر سنة وهي طوال تلك السنين التي عاشتها مع والدها في مكة ترضى لرضاه وتسخط لسخطه وتوالي من والاه وتعادي من عاداه وتقول بقوله وتفعل فعله وهي كما عبرَّ عنها أبوها )إنها أمي وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيَّ(إن الله ليرضى لرضى فاطمة ويسخط لسخط فاطمة) فهي شريكة لوالدها ولأهل بيتها فيما حصل عليهم من معاناة في سبيل إقامة دعوة الله ونحن لا نستغرب تعتيمهم على الزهراء فقد عتموا على الإمام علي وحمزة وجعفر في تلك المرحلة مع رسول الله في مكة فلم يذكروا لحمزة إلا موقفاً واحداً وهو وقوفه في وجه أبي جهل و شج رأسه وأما الإمام علي فلم يذكروا له سوى مبيته على فراش رسول الله ليلة الهجرة وإن كان موقفاً لا يقاس به موقف وأما جعفر فلم يذكروا له موقفاً واحداً وهو من قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ٍ «أشبهت خلقي وخُلقُي » مما يلفت أنظار الباحثين أن يعيدوا النظر لِمَا هذا التعتيم على أهل البيت لا سيما في مرحلة بداية الدعوة والرسول في مكة قبل الهجرة ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعفر ومن معه من المؤمنين بالهجرة الى الحبشة ليحتفظ بتلك الطلائع المؤمنة ولإحياء مبدأ الهجرة الذي هو شيء أساسي في بناء الأمة كان لأبي طالب نصرته الواضحة لابن أخيه محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وعلى آله تجلت فيما كتبه الى النجاشي يعُْلِمُه بأن بن أخيه نبياً كموسى والمسيح بن مريم ويستحثه في نصرته وفي الحفاظ على تلك المجموعة المؤمنة بقيادة ابنه جعفر الذين يعتبرون ضيوفاً لدى الملك النجاشي، قال أبو طالب في ذلك :-
تعلم مليك الحبش ان محمداً نبياً كموسى والمسيح بن مري مِ أتى بهدى مثل الذي أتيا به وكلٌ بأمر الله يهدي ويعص مِا تتلونه ُ في كتابِكم بصدق حديث لا حديث المرجمِ
فلا تجعلوا لله نداً وأسلموا وأن طريق الحق ليس بمظلمِ
وفي أواخر تلك السنين التي عاشتها الزهراء عليها السلام في مكة المكرمة، و بالأصح في السنة العاشرة للبعثة تواردت الأحزان على قلب الزهراء عليها السلام بفراق الأحبة واحداً تلو الآخر فكما أسلفنا أن رسول الله أمر جعفر بن أبي طالب بالهجرة إلى الحبشة ضمن الوفد ما يقارب السبعين رجلاً وبعض النسوة وكان لتلك الهجرة أثرها في ألم فراقها على قلب فاطمة عليها السلام لا سيما وفيها جعفر وهو من هو في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وآله وأسماء بنت عميس وأختها زوجت عثمان وتلك الطليعة من المؤمنين الذي يعطي انطباع عن غربة الإخوة طلائع دين محمد وأيضاً ما نالها من الحزن على عم أبيها أبي طالب الذي كان يشكل بعد الله الحماية لرسول الله من جلاوزة قريش والزهراء تعلم أن لوفاة كبير قريش وسيد البطحاء وحامي الرسول صلى الله عليه وعلى آله بعد الله الأثر البالغ على قلب أبيها الرسول وعلى قلبها وعلى كل أفراد اسرتها ومحبيهم والمؤمنين بما أنزله الله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله تلا ذلك وفاة أمها الحنونة الطاهرة الباذلة لنفسها ومالها في سبيل إقامة دين الله الذي جاء به أبوها رسول الله صلوات الله عليه وآله فهي ترى ركنين من أركان الدعوة تتهاوى وتعلم علم اليقين أن انعكاس وفاة أبي طالب وأمها خديجة عليهما السلام سينعكس أثره على أبيها سيد الأنبياء والمرسلين وصفوة الله من العالمين ولذلك سمي ذلك العام عام وفاة خديجة وأبي طالب عليهما السلام بـ «عام الحزن» فلا يعلم إلا الله وحده كم تحمل قلب الزهراء عليها السلام أمام تلك الأحزان وأمام تلك الفجائع وأمام تلك المواقف التي تراها تنزل على والدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.حقا لقد كان لوفاة ابي طالب والسيدة خديجة اثرها البالغ على دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما انعكس ذلك على نفسية الزهراء لأنها كما عبر عنها ابوها )روحي التي بين جنبي( فجاءه جبريل مواسياً ومعزياً بوفاة ناصريه واستمر رسول الله صلى الله عليه وآله مستعيناً بالله الذي أرسله ونصره في نشر الدعوة ليلاَ ونهاراً سراً وجهراً بأبلغ بيان وأزكى أسلوب يدعو القبائل في مواسم الحج الى هذا الدين فاستجاب له من استجاب القلة القليلة من أهل اليمن أهل يثرب الأنصار وتواعدوا معه العام القادم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يروى التقى بكبير همدان قيس الأرحبي فدعاه للإسلام فاسلم فعرض عليه الرسول أن يهاجر اليه فقال أمهلني يا رسول الله استشير أصحابي فجعل موعدا ً يلتقي فيه برسول الله في الموسم القادم وأيض اً تحرك رسول الله إلى المناطق القريبة فذهب الى الطائف واصطحب معه زيد ابن حارثة فلما وصل إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله ورسولهقابلوه بالغلظة والسخرية وألبواعليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة ويؤذونهفتوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعائه الى ربه قائلاَ)اللهم إليك اشكوضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت ربي وأنت رب المستضعفين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى بعيد ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا ابُالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والاخَرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك( ويروى أنه نزل عليه جبريل بعد هذا الدعاء وقال له إن ربك يقرئك السلام وقال )إن شئت يا محمد أطبقت عليهم الأخشبين ( ويقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال )عسى أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ( ولأن تلك الرحلة كانت على رصد من قريش ومتابعتها لتحركات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أينما اتجه وكما ورد في السير أن عتبة ابن ربيعة والذي كان يعُد واحداً من زعماء قريش المحاربين لله ولرسوله عندما رأى تكالب الغلمان على رسول الله من كل مكان يرمونه بالحجارة واتجه الرسول الى حائط عنب لعتبة بن ربيعة واخيه شيبة أرسل غلامه عداس بقطف من العنب وأمره أن يعطيه محمداً.
كما يقول بعض أهل السير أنها تحركت لهُ الرحم من عتبة بن ربيعة لكونهم من بني عبد مناف ويحتمل أن عتبة بن ربيعة يريد بإرسال قطف من العنب أنك يا محمد لن تغيب عن متابعتنا سوى بقيت في مكة أو ذهبت إلى الطائف فأوصل عداس ذلك القطف من العنب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى زيد بن حارثه رضي الله عنه فبدأ رسول الله بأكله من القطف ببسم الله الرحمن الرحيم فقال عداس أهل هذه البلاد لا يقولون كما تقول فقال له رسول الله )صلوات الله عليه وعلى آله( ومن أي البلاد أنت فقال عداس من) نينوى( فقال رسول الله )صلى الله عليه وآله( قرية أخي العبد الصالح )يونس بن متىّ( فقال عداس وما يدريك ما يونس بن متىّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله )ذاك أخي هو نبي وانا نبي (فانكب عداس على قدمي رسول الله يقبلهما وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فلما رأى شيبة بن ربيعة ما فعله عداس قال لأخيه عتبة بن ربيعة أما غلامك فقد أفسده وعاد رسول الله )صلى الله عليه وآله( إلى مكة منكسر القلب لما يرى من عتو قومه واستكبارهم على الله وابتعادهم عما فيه سعادة دينهم ودنياهم حاسباً لكل ما يجري مما رأه من عمل أهل الطائف وغلظتهم ومتابعة قريش له عبر عتبة ابن ربيعة وأخيه شيبة بن ربيعة في تلك المرحلة
فدخل مكة ليلاً وعندما وصل إلى (نصُيبين) قريباً من الحرم وهو يصلي العشاء أرسل الله ذلك النفر من الجن الذين حكى عنهم القرآن في سورة الأحقاف )وَإذِْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتمَِعوُنَ الْقرُْآنَ فَلمََّا حَضَرُوهُ قَالوُا أنَصِتوُا فَلمََّا قضُِيَوَلوَّْا إِلىَ قوَْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالوُا يَا قوَْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتاَباً أنُزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَّابَيْنَ يدََيْهِ يَهْدِي إِلىَ الْحَقِّ وَإِلىَ طَرِيقٍ مُّسْتقَِيمٍ يَا قَ وْمَنَا أجَِيبوُا دَاعِيَ اللََِّّ وَآمِنوُا بهِِ يَغْفِرْلَكُم مِّن ذُنوُبِكُمْ وَيجُِرْكُم مِّنْ عَذاَبٍ ألَِيمٍ وَمَن لاّ يجُِبْ دَاعِيَ اللََِّّ فَلَيْسَ بمُِعْجِزٍ فيِ الأرَْضِ وَلَيْسَ لهَُ مِن دُونهِِ أوَْلِيَاء أوُْلَئكَِ فيِ ضَلالٍ مُّبِينٍ ( فكانت هذه رسالة عاجلة مطمئنة من الله لنبيه محمد )صلى الله عليه وآله ( كأنه يقول له إذا لم يستجب قومك وأهل مكة والطائف والعرب من الإنس فها هم طلائع المؤمنين من الجن يصرفهم إليك بقصد وعناية وليس بمجرد الصدفة عندما يقول الله )وإذ صرفنا إليك(أنه يبدو أنهم كانوا متجهين إلى وجهة أخرى فصرفهم الله إلى رسوله بقصد وعناية ليستمعوا القرآن ثم أن رسول الله صلى الله عليه وآله اتجه إلى بيت الله الحرام كما هي عادته ليطوف بالكعبة ويدعو ربه وبينما رسول الله في المسجد الحرام جاءه جبريل فأسرى برسول الله كما قال بذلك القرآن الكريم في سورة الإسراء)سُبْحَانَ الذَِّي أسَْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلىَ الْمَسْجِدِ الأقَْصَى الذَِّي بَارَكْنَا حَوْلهَُ لِنرُِيهَُ مِنْ آيَاتِنَا إِنهَُّ هوَُ السَّمِ يعُ الْبَصِيرُ ( ف أسُري برسول الله تلك الليلة ليلة السابع والعشرين من رجب كما حكت سورة الإسراء والتي بدأت بقوله )سُبْحَانَ الذَِّي أسَْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلىَ الْمَسْجِدِ الأقَْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلهَُ لِنرُِيهَُ مِنْ آيَاتِنَا إِنهَُّ هوَُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )
ويهمنا في الموضوع الإيمان بوقوع الإسراء كما حكاه القرآن في سورة الإسراء بغض النظر عن التفاصيل وأما قضية المعراج الذي يجعلونه رديفاً للإسراء فيقولون ليلة الإسراء و المعراج فقد أكد مولانا السيد حسين بدر الدين الحوثي (عليه السلام) على عدم وقوع المعراج بقوله)لو وقع المعراج لذكره القرآن بوضوح كما ذكر الأسراء بوضوح (وإليكم نص ما كتبه مولانا العلامة بدر الدين الحوثي )عليه السلام ( في كتابه التيسير في التفسير في تفسير هذه الآية قال رحمة الله عليه قال الله
بسم الله الرحمن الرحيم (سُبْحَانَ الذَِّي أسَْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) يحقق بأن قطع المسافة كلها كان في الليل وأسراءه به نقله في الليلة الواحدة)مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلىَ الْمَسْجِدِ الأقَْصَى(الأبعد وهو مسجد بيت المقدس( الذَِّي بَارَكْنَا حَوْلهَ ُ) البركة الخير الخفي ولعل المراد بركات الرسالة والوحي في عهد إبراهيم وموسى وعيسى وبركات الأرض هناك لما فيها من الثمرات والماء( لِنرُِيهَُ مِنْ آيَاتِنَا) تعليل للإسراء به كرمه الله بهذا الإسراء وجعله عرضاً لآيات يطلع عليها في هذا الإسراء فهو تثبيت لقلبه وزيادة في إيمانه )إِن هَُّ هوَُ السَّمِي عُ الْبَصِيرُ( ولعل ذلك يشير إلى ما كان قبل الاسراء من طغيان الكفار وتجبرهم على المسلمين واستضعافهم وإلى أنه سمع دعاءه قبل الإسراء فكل ذلك كان سبباً للإسراء. أنتهى ما ذكرهُ مولآنا بدرالدين «عليه السلام»
عاد رسول الله «صلى الله عليه و آله وسلم» من ليلته من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وقد أراه الله كما ذكرت الآية) لِنرُِيهَُ مِنْ آيَاتِناَ( ما شرح الله به صدره وما أنرأت بعض رِجالات قريش رسول الله «صلى الله عليه وعلى آله» في الحرم بعد عودتهمن بيت المقدس سارعت في أن تسأله : أين كنت يا محمد ؟! وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه بأن عيون قريش تراقبه .ففاجأهم رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الواثق بربه الواثق مما هو عليه بقوله كنت ببيت المقدس ولعل قريش كانت تريد بسؤالها أن يخبرهم رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» برحلة الطائف ففاجأهم رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بقوله: “ببيت المقدس “فنزلت على قريش كالصاعقة وقالوا نضرب إباط الإبل شهراً رواحاً وشهراً غدواً وأنت تقول أنك تذهب إلى بيت المقدس في ليلة وتعود لكن رسول الله « صلى الله عليه وآله وسلم » الواثق بالله وبصدق ما هو عليه كما قال الله «وَ الذَِّي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بهِِ أوُْ لَئكَِ هُمُ الْمُتقَّوُن» أعاد عليهم القول بكل اطمئنان:” كنت ببيت المقدس” فقال قائلهم : صف لنا بيت المقدس إن كنت ذهبت إليه ، لعلمهم أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» م يكن له رحلة قبل ليلته هذه إلى بيت المقدس فأخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في وصفه وكأنه يصف شيئاً أمامه فكان كلما سألوه عن شيء أجاب فقالوا صدقت يا محمد يصدقونه في الوصف لبيت المقدس ويجحدونه في الرسالة كما قال الله) : فَإِنهَُّمْ لاَ يكَُذِّبوُنكََ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآِيَاتِ اللََِّّ يجَْحَدُونَ ( ، وقوله) : وَجَحَدُوا بهَِ ا وَاسْتيَْقَنتَهَْا أنَفسُُهُمْ »٠ح ، ثم إن رسول الله )صلى الله عليه وعلى آله وسلم( أراد أن يعطيهم علامة على صدق ما أخبرهم فقال : مررت بعير بني فلان البارحة ثم أخبرهم أن ذلك العير يطلع على مكة من الثنيةّ يقدمهم جمل أورق مع طلوع الشمس فتسارعت رجالات قريش وغلمانها إلى الثنيةّ وقال قائلها ها هي الشمس قد طلعت وقال الآخر وها هي العير قد طلعت يقدمها جمل أورق كما قال محمد.