الرئيس السابق علي ناصر محمد يكشف معلومات سرية عن موقف الجنوب اليمني من حرب الخليج
فجر اليوم //
إعداد / د. الخضر عبدالله :
ميلاد الجمهورية الإسلامية
تحدث الرئيس علي ناصر في أحاديثه السابقة حول علاقة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع بعض قادة الدول العربية .. ويستطرد في لقاء اليوم حول جمهورية إيران وحرب الخليج الأولى .. حيث يقول :” كانت إيران تشهد حراكاً جماهيرياً واسعاً مناهضاً لحكم الشاه استمر ما يزيد على العام، وازدادت حدته منذ مطلع عام 1979م حيث اشتدت موجة التظاهرات العنيفة ضد الشاه وسياسته. وقد أدى النظام الفاسد للشاه وسوء أحوال الشعب الإيراني بسبب المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضخمة التي لم يجد علاجاً لها إلى المزيد من التسلح والقمع، الذي ووجه بمزيد من العمل التنظيمي والتحريضي الذي قاده آية الله الخميني من منفاه في بغداد وباريس، وهو ما أدى إلى إشعال نار الثورة في إيران. وأخيراً اضطر الشاه محمد رضا بهلوي إلى مغادرة البلاد للمرة الثانية والأخيرة في حياته، متوجهاً إلى أسوان محاطاً بسرية تامة حيث استقبله الرئيس المصري أنور السادات. كانت الأولى في عام 1953م خلال ثورة مصدق عندما فرّ الشاه إلى العراق، لكنه استطاع استعادة عرش الإمبراطورية، أما هذه المرة فإنه سيموت في القاهرة بالسرطان بعد أن تخلى عنه حلفاؤه وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية التي رفضت استقباله وعلاجه، لتؤكد بهذا الموقف أن لا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة. في الوقت نفسه، كان الإمام الخميني يعود إلى بلاده بعد نفي دام خمسة عشر عاماً قضاها أولاً في العراق ثم بعد ذلك في باريس. ورغم إغلاق مطار طهران في وجه الخميني عدة مرات، لكنه تمكن أخيراً من الهبوط على الأرض في يوم الأول من شباط/فبراير 1979م، وكان في استقباله مئات آلاف المواطنين. في 12 شباط/فبراير 1979م سقطت آخر حكومة عيّنها الشاه برئاسة شهبور بختيار، في محاولة منه لامتصاص النقمة الجماهيرية، وبدلاً منها ألَّف آية الله الخميني حكومة ثورية جديدة برئاسة مهدي بازرجان.
في بداية نفي آية الله الخميني، كلّف الرئيس عبد الفتاح إسماعيل السفير محمد هادي عوض اللقاء به وتوجيه الدعوة إليه للإقامة في عدن بعد طلب بغداد منه مغادرتها. ولكنه لم يتمكن من مقابلته، فالتقى سكرتيره آنذاك الحسن بني صدر الذي شكر اليمن الديمقراطية على هذه الدعوة واعتذر عن عدم تلبيتها قائلاً: إننا سنعود قريباً إلى طهران.
الطريق إلى الحلم
ويسترسل في حديثه قائلا :” الطريق إلى الحلم يبدأ بوضوح الرؤية… وبخطوات ثابتة نحو الهدف… وأما تحقيقها فيحتاج إلى قطع أميال من الكد والعرق… وهكذا تبلور حلم الإيرانيين بعد نضال شاقّ وعرفه العالم بأسره باسم «الجمهورية الإسلامية»، وصار ذلك اليوم «الثاني عشر من شباط/فبراير» عيداً قومياً لإيران تحيي ذكراه كل عام. في اليوم التالي مباشرة، أي في 13 شباط/فبراير 1979م، بعثتُ ببرقية التهنئة الآتية إلى كل من الإمام آية الله الخميني ورئيس الوزراء مهدي بازرجان:
«على امتداد عام كامل تابع شعبنا بتفاؤل الانتفاضة الوطنية العارمة والتضحيات الشعبية البطولية لشعب إيران من أجل إزالة النظام الإمبراطوري العميل إلى الأبد وتصفية القواعد العسكرية الإمبريالية والعدوانية، والانعتاق التام من سيطرة الاحتكارات الأجنبية التي عاناها الشعب الإيراني وشعوب المنطقة… إذا كنا نقدّر عالياً قيادتكم الرشيدة للشعب الإيراني حتى وصوله إلى المرحلة الأولى للنجاح الباهر، فإن ذلك يعطينا الأمل الكبير لخلق علاقات ودية ومثمرة بين الشعب اليمني والشعب الإيراني».
في شباط/فبراير 1980م انتخب أبو الحسن بني صدر رئيساً لجمهورية إيران الإسلامية وفي 22 نيسان/أبريل 1980م صدر في كل من عدن وطهران بيان مشترك بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين.
ومضى الرئيس ناصر يقول :” رغم ما أثارته الثورة الإيرانية من مخاوف في الغرب، حيث فقدت واشنطن وحلفاؤها الحليف الذي كان يحمي مصالحهم في المنطقة… فإن التطورات كشفت عن وجود مخاوف عديدة في بعض الأوساط المحلية التي رأت في الثورة الإيرانية الإسلامية تهديداً خطراً لمصلحتها أكثر من ذلك الذي كان يشكله نظام الشاه في أوج قوته وازدهاره، وهو الذي سبق أن احتلّ الجزر الإماراتية العربية.
سرعان ما ارتفعت درجة التوتر في العلاقات العراقية الإيرانية بشكل ملحوظ، ففي شهر نيسان/أبريل 1980م أقدم العراق على طرد (50) ألف شيعي من العراق، بحجة أن أصولهم إيرانية، (وفيما بعد سقوط نظام صدام عام 2003 عاد من إيران إلى العراق مئات الآلاف) كما أكد لي ذلك الدكتور عبد الرزاق الدليمي في لقاء جرى بيني وبينه .
ردت إيران بإعلان حالة الطوارئ، فيما طلب وزير الخارجية الإيراني قطب زاده من الدبلوماسيين الإيرانيين مغادرة العراق. وفي منتصف الشهر نفسه أفادت أنباء من بغداد بأن السلطات العراقية أعدمت الزعيم الشيعي محمد باقر الصدر. وذكرت صحيفة «القبس» الكويتية «إن مجلس قيادة الثورة العراقي اتخذ قراراً بإعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية».
حرب الخليج الأولى
واستطرد حديثه وقال :” أخذت العلاقات بين البلدين تتدهور بسرعة مخيفة. ففي أيلول/سبتمبر 1980م اندلعت الحرب بين بغداد وطهران. ولم يكن هذا بعيداً عن سياسة الاحتواء المزدوج، وضد التضامن العربي الإسلامي. الواقع أنه بعد سقوط إمبراطورية الشاه لم تعد الدوائر الإمبريالية المعادية تجد حلاً للقضاء على الثورة الإسلامية في إيران سوى إشعال نار الفتنة مع جيرانها، وإحياء الصراعات التاريخية القديمة بين الفرس والعرب، جاهدة في أن تجد في ذلك علاجاً سريعاً للحالتين معاً في ما عرف بسياسة الاحتواء المزدوج.
انطلاقاً من موقفنا الرافض للحرب، بعثتُ ببرقية مشتركة إلى كل من صدام حسين وآية الله الخميني أدعوهما فيها إلى وقف القتال، واللجوء إلى الحوار لحلّ الخلافات بين العراق وإيران، وقلت فيها إن القتال المسلح لا يخدم مصالح الشعبين العراقي والإيراني، بل يخدم الإمبريالية والصهيونية التي تتربص بكلا الشعبين. وناشدتهما ضبط النفس واللجوء إلى الحوار والمفاوضات وحلّ الخلافات بالطرائق السلمية…
الموقف من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية
ويتابع الرئيس علي ناصر وكان هذا هو موقفنا منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب العراقية – الإيرانية أو (حرب الخليج الأولى) كما سميت فيما بعد، ولم نتزحزح عن هذا الموقف قيد أنملة برغم ما تعرضنا له من مواقف تراوح بين الضغط والابتزاز، وتقديم المغريات كما سأكشف عنه في حينه. تمتعنا بمناعة صلبة تجاه الأمرين، كنا نستمدها من شعبنا ومن فكرتنا الرافضة للحرب من الأساس.
في ردي على سؤال لصحيفة «الخليج» الظبيانية عن موقفنا من الحرب العراقية الإيرانية، أكدت هذا الموقف عندما قلت: «إن موقفنا لا يزال ثابتاً في أن هذه الحرب التي تدور اليوم فوق الأراضي الإيرانية والعراقية لا تخدم البلدين والشعبين في العراق وإيران، ولا تخدم أمتنا العربية. وفي رأينا أن العراق وإيران كان ينبغي أن يعملا على توظيف طاقاتهما وإمكاناتهما لصالح شعوبهما وشعوب المنطقة».
عدن الغد
ا