مقالات
أخر الأخبار

المحاضرة الرمضانية ال24 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

– عندما كان يرسل الله سبحانه وتعالى الرسل إلى أقوام ومجتمعات معينة، وهي- في نفس الوقت- بين مجتمعات أخرى، يعني هناك مجتمعات أخرى غير ذلك المجتمع الذي بعث إليه ذلك النبي، فليست المسألة فقط ليكون نبياً لذلك المجتمع وتترك بقية المجتمعات

– إنما لأنه لابدَّ أن يكون هناك في البداية حاضنة للمشروع الإلهي، للمشروع الرسالي نفسه، وركيزةً اجتماعية، يبدأ المشوار من بينها هي، وتحمل هذا المشروع وتنشره في الآخرين

– كانت مشكلة بعض الأقوام وبعض الأمم أنها كانت تُكَذِّب- في أغلبها إلا القليل- تكذب برسالة الله، وترفضها وتتنكر لها؛ وبالتالي لم تصل إلى مرتبة أن تكون متقبلةً هي في نفسها للمشروع الإلهي، فما بالك بأن تُقدِّم فيه النموذج، والقدوة، والأسوة، وأن تتحرك به كحاضنةٍ وحاملٍ للمشروع الإلهي

بعد هلاك عاد، الذين كانوا هم المجتمع الأكثر قوةً ورفاهيةً في معيشتهم وظروف حياتهم، كان القوم الذين استخلفهم الله ومكَّنهم، وبرزوا بين بقية المجتمعات قوةً جديدة، برزوا قوةً جديدة، تتنامى في قوتها، وإمكاناتها، واقتصادها: كانوا هم ثمود

– ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام، وقد ذكَّرهم نبي الله صالح عليه السلام بهذه النعمة: أن الله استخلفهم من بعد عاد، وهيأ لهم في ظروف حياتهم أن يبرزوا هم ليكونوا الأمة الأكثر قوةً، وأن تتنامى في معيشتها الاقتصادية، في ظروف حياتها، فبرزت بين بقية المجتمعات

– {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ} يذكرهم بنعم الله عليهم؛ لأنهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه من إمكانات، ورفاهية في الحياة، وتوفر لمتطلبات حياتهم بنعمة الله سبحانه وتعالى وبفضله

– المنطقة التي كان يعيش فيها قوم نبي الله صالح، كانت ثمود تسكن فيها هي ممتدة من وادي القرى في الحجاز، ممتدةً إلى الشام، إلى الأردن بالتحديد، منطقةً ممتدةً من هناك، من وادي القرى في الحجاز إلى داخل الأردن حالياً (إلى الشام)، وهم يُحسبون أيضاً من العرب القدامى، من قدامى العرب في تلك المرحلة المبكرة

– وقد فتح الله لهم أبواب نعمته، وازدهرت حياتهم، ووسع الله لهم في معيشتهم؛ فازدهرت الزراعة بشكل كبير، وتوفر لهم المزارع والبساتين الضخمة، وتوفر لهم المياه، توفر لهم الماء الذي يحتاجون إليه لري المزارع.

– أرسل الله إليهم نبيه صالحاً عليه السلام، وهو منهم يعرفونه، ويعرفون حكمته، ورشده، وكماله، وزكاءه، وأخلاقه، فهو متميزٌ بينهم بكل ذلك، بما يمتلكه من حكمة، من رشد، من زكاء نفس، من الاستقامة والطهارة والصلاح في أعماله وفي تصرفاته

– {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} يعني: أرسل الله، إلى ثمود أخاهم صالحاً، ويأتي هذا التعبير (أَخَاهُمْ)؛ لأنه منهم، وهذه نعمةٌ عليهم؛ لأنهم يعرفونه، وهو أيضاً يتَّجه بكل اهتمامه، وبكل حرص لنجاتهم، للعمل على إنقاذهم وهدايتهم، وبما فيه الخير لهم

– {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وكما غيره من الأنبياء يوجِّه دعوته إليهم جميعاً؛ لنجاتهم، وليصل هدى الله إلى الجميع، وليقيم حجة الله على الكل، لأن حالة تأليه غير الله من المخلوقين والمربوبين والعبيد، ومن هم ملكٌ لله سبحانه وتعالى، هو تنكرٌ لأكبر الحقائق، وهو كفرانٌ لنعمة الله.

إيضاً على مستوى العمران والبناء ازدهرت حياتهم، فعمروا المدن، وسكنوا القصور، هذا من المؤشرات على مستوى الرفاهية والرخاء، والثروة والتجارة التي كانوا يمتلكونها؛ نتيجة لمحاصيلهم الزراعية الوفيرة

– {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا} فهم كانوا لرفاهيتهم، وتوفر متطلباتهم وأموالهم، والعائد المالي المتوفر لديهم، كانوا يبنون القصور ويسكنون فيها

– مع تلك الحياة، التي توفرت لهم فيها متطلبات حياتهم بازدهار، ورفاهية، ورخاء، وارتياح، لم يشكروا نعمة الله عليهم؛ بل انحرفوا، وزاد طغيانهم، وانتشر الفساد فيهم وتعاظم، بل أصبحوا هم بؤرةً للفساد، أصبحوا في واقعهم بؤرةً للفساد، ومصدِّرين للفساد إلى المجتمعات التي لها علاقةٌ بهم وتعاملٌ معهم

– {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} فهم أصبحوا بؤرةً للفساد، مُصرِّين على الفساد، مصدِّرين للفساد، وبَطِروا بالنعمة التي هم فيها، بَطِروا لم يشكروا نعمة الله عليهم، ولم يأخذوا العبرة مما حصل قبلهم لقوم نوحٍ عليه السلام، ولقوم هود، ولقوم نبي الله هود عليه السلام

– فكانوا يفكرون أنهم عندما ينحتون الجبال بيوتاً، قد أمنوا على أنفسهم من أن يحصل لهم ما حصل لعاد، فالريح لن تستطيع أن تدمر الجبال وأن تنقلها

– فكروا، وتصوروا أنهم بذلك أصبحوا آمنين، ونسوا أن العذاب أنواع كثيرة، فالله أهلك عاداً بالريح العقيم المدمرة العاتية، ولكنه أهلك قوم نوح بالطوفان، ويمكن أن يهلك قوماً آخرين بعذابٍ آخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى