مقالات

المحاضرة الرمضانية ال17 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

– نختتم في محاضرة اليوم قصة أبينا آدم عليه السلام أبي البشر، وعلى ضوء الآيات المباركة: من سورة الإسراء، ومن سورة طه، ومن سورة ص، كتقدم الحديث على ضوء الآيات المباركة: من سورة البقرة، ومن سورة الأعراف، ومن سورة الحجر.

– {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} تحدثنا على ضوء الآيات المباركة سابقاً عمَّا يعنيه هذا السجود، وأن الله أراد به أن يكون تكريما لآدم عليه السلام

– فذلك السجود كان تكريماً لآدم عليه السلام، وفي نفس الوقت عبادةً لله سبحانه وتعالى؛ لأنه تسليمٌ لأمره، وطاعةٌ له جل شأنه، والأمر لإبليس؛ لأنه كان في صفوف الملائكة يتعبد الله معهم، ويستقر بينهم، فكان مشمولاً بالأمر معهم

– كانت هذه مسألة واضحة حتى بالنسبة له أنه مأمورٌ بالسجود معهم، وإبليس امتنع عن السجود، وحاول أن يبرر لنفسه ذلك، مع أنه ليس له أي مبررٍ في عصيان أمر الله تعالى

– لكنها عقدة الكبر كانت هي السبب وراء امتناعه للسجود {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}، قال أسجد لمن خلقت طينة كان هذا منه احتقاراً لآدم عليه السلام، وزعماً أنه أعلى شأناً، وأرفع قدراً ومكانةً من أن يسجد تكريماً لآدم.

– {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}؛ لأنه عرف كما عرفت بقية الملائكة أن ذلك السجود يعني التكريم لآدم عليه السلام، وهو بسبب عقدة الكبر يأنف من ذلك، يأنف من ذلك

– {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} فإبليس يعتبر نفسه أنه كان أولى بذلك التكريم، فربما كان يتمنى ويرغب في أن يسجد الملائكة تكريماً له، وكذلك غضب جداً أن الله غضب عليه وطرده، عندما امتنع من تنفيذ أمر الله بذلك السجود

– تحولت أيضاً عقدة الكبر إلى عقدة حقدٍ كبيرةٍ جداً، واتجهت هذه العقدة نحو آدم وذرية آدم بكلهم، حيث يريد أن يسعى للانتقام من الجميع، وأن يورطهم فيما يصل بهم إلى نار جهنم، وإلى الخسران الكبير معه، كما هو خاسر.

– {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}، وهو هنا يتوعد ويتهدد أنه سيسعى للسيطرة التامة على ذرية آدم عليه السلام، باستثناء القليل {إِلَّا قَلِيلًا}، فهو يتوعد ويتهدد ويتبجح بأنه سيسعى للسيطرة على أكثرهم، على الأكثرية البشرية، الأكثرية من المجتمع البشري، ثم يسعى لتوريطهم معه

– (لَأَحْتَنِكَنَّ) تعني تلك السيطرة عليهم، والاقتطاع لهم، والتوجه بهم معه إلى نار جهنم والعياذ بالله.

– {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} (قاَلَ اذْهَبْ): طردٌ له، وفي نفس الوقت يبيّن الله سبحانه وتعالى غناه، هو الغني الحميد، ليس بحاجة إلى ذرية آدم، ولا إلى عبادتهم وطاعتهم

– {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}، وهي معركة يخوضها الشيطان لإغواء الإنسان، ويستخدم فيها وسائل متنوعة، بحسب المؤثرات التي تختلف من التأثير على هذا أو ذاك

– {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ}، الشيطان عندما قرر أن يتحرك في كل المرحلة التي يمهله الله فيها لإغواء البشر، هو لم يتحرك وفق ميزانية مسبقة، وإمكانات مادية معينة، ابتدأ في إعدادها وتخصيصها لعملية الإغواء؛ لأن عملية الإغواء لبني آدم تتطلب أيضاً إمكانات في كثيرٍ مما فيها

– الشيطان سيتجه على أساس أن يستغلهم ويستغل ما لديهم من إمكانات؛ حتى تُسَخَّر في ما يريده هو: في الإغواء، في الإضلال، في الإفساد، وبذلك يدخل في تلك الشراكة: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ }، الأموال التي تُكتسب من الحرام، وتُصرف في الباطل، وتصرف في الفساد، وتصرف في المعاصي

– كل ما كان من الأموال بهذه الطريقة: إمَّا أنه اكتُسِب من حرام، أو أنه يُصرف في المعاصي، يصبح الشيطان شريكاً فيه

– في عالم اليوم هناك دول، أنظمة، كيانات مختلفة متنوعة، تخصص ميزانيات هائلة لإغواء الناس، أو لإفسادهم، إمَّا للإضلال، وإمَّا للإفساد، كم هناك من قنوات فضائية مخصصة لإفساد الناس أخلاقياً، ونشر المواد الإباحية التي تُفسِد النفوس، وتروِّج للفساد والفحشاء والمنكر، كم يُصرف عليها من مليارات

– تلك الأموال التي يموّل بها ما هو وسيلة لإفساد الناس أو لإضلالهم، يصبح الشيطان شريكاً فيها.

– كذلك القوة البشرية عندما تسخر لخدمة الشيطان، في أي مجال من المجالات: عسكرياً، أو غير عسكرياً، أو في مجال آخر، أو غير المجال العسكري، في أي مجالات أخرى، ما يُشَغَّل من قدرات الناس، من إمكاناتهم التي وهبهم الله إيَّاها، من الإمكانات التي يكتسبونها بأي شكلٍ كان، ما يُسَخَّر في خدمة الشيطان يصبح الشيطان شريكاً فيه، ومستغلاً له.

– الخطر على الإنسان عندما يتجه هو لاتِّباع الشيطان، لاتِّباع إبليس، {فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}، جزاء كافٍ بما فيها من العذاب الرهيب- نعوذ بالله- والهوان.

– {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ}، يتبين لنا من خلال هذه الآية المباركة أن إبليس يتحرك للتأثير على البشر، وتوظيف قدراتهم وإمكاناتهم في عملية الإغواء، في عملية الباطل، في ارتكاب المعاصي، فيما يبعدهم عن تعليمات الله وهدى الله ويكون له عواقبه السيئة عليهم

– فيحوِّل الكثير مما بأيديهم من إمكانات عندما يتبعونه إلى وسائل: وسائل للإغواء، وسائل للإغراء، وسائل للإيقاع بهم في المعاصي وفي الذنوب.

– عبارة {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}، صوت الشيطان يشمل كل صوت إغراءٍ للباطل، أو للفساد، فما كان من وسيلة لإغراء الناس بالباطل، أو لإغرائهم إلى الفساد، من كل الأصوات التي تُسمع، كل صوتٍ يدعو الإنسان للفساد، يؤثر عليه التأثير السيء لإفساده، أو لإغوائه، فهو صوتٌ شيطانيٌ يخدم إبليس، ويستغله الشيطان في الإغواء لبني آدم

– الاستفزاز يعني: الإثارة، التي تدفع الإنسان للاستجابة للشيطان، والتحرُّك فيما يريده بجهالة، وطيش، وسَفَه، بعيداً عن الرشد، بعيداً عن الحكمة، بعيداً، عن مقتضى الإيمان والأخلاق والقيم

– الإنسان بتلك الإثارة التي يستثيره بها الشيطان، من خلال كل صوت إغواءٍ، أو صوت إغراءٍ على الفساد، يتجه في نفسه اتجاهاً بعيداً عن الرشد، اتجاه السفه، الجهالة، الطيش، الابتعاد عن القيم والأخلاق والمبادئ والإيمان.

– {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}، كذلك فيها الماء، ويتوفر لك، وهو في ميسورك تناله بدون عناء، لا تحتاج إلى عملية نقل، ولا أي أعمال وأعباء في الحصول على الماء

– {وَلَا تَضْحَى}، كذلك لا تحتاج إلى أن تخرج للكد في الشمس، وحرارة الشمس ومعاناتها.

– {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} اتجه الشيطان في مسعاه لإخراج آدم وحواء عليهما السلام من تلك الجنة، واستخدم أسلوب الوسوسة عن تلك الشجرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى