هل تعيش العلاقات المِصريّة الإسرائيليّة مرحلةً من التوتّر فِعلًا؟ وما هي الأسباب الثلاثة غير المُعلنة للغضب المِصري وكيف سيكون الرّد؟ وما هو الهدف من الانعِقاد المُفاجئ للقمّة الخُماسيّة في مِصر؟

عبد الباري عطوان

تتوالى الأنباء هذه الأيّام عن حُدوث توتّر في العلاقات المِصريّة الإسرائيليّة بسبب رفض يائير لابيد رئيس وزراء دولة الاحتلال الالتزام بتعهّداته بعدم شنّ العُدوان الأخير على قِطاع غزّة بعد التوصّل إلى تفاهماتٍ مع حركة “الجهاد الإسلامي” عبر مِصر بوقف التّصعيد، ورفضه الإفراج عن الشيخ بسام السعدي زعيم الحركة في الضفّة، وزميله خليل العواودة المُضرب عن الطّعام، وذلك تنفيذًا لشُروط وقف إطلاق النّار.

الأمر الطّبيعي أن تكون هذه العلاقات مُتوتّرة بصُورةٍ دائمة، والتنسيق والهُدوء هو الاستثناء، فدولة الاحتلال تظل دولة عدوّ في الذّاكرة الوجدانيّة المِصريّة، شعبًا وجيشًا وحُكومةً، ومصدر تهديد وعُدوان دائم للأمنين المِصري، والقومي العربي، ولكن مُوقّعي اتّفاقات كامب ديفيد ومُؤيّديها أرادوا ويُريدون غير ذلك للأسف.

***

الإعلام الإسرائيلي الذي يعتمد في مُعظم تقاريره الإخباريّة على تسريباتٍ من قوّاته المسلّحة التي تتحكّم رقابتها العسكريّة بكُل شيء يُنشَر فيه ويتعلّق بالأمن والجيش، يرجع التوتّر الرّاهن بين الحُكومتين المِصريّة والإسرائيليّة إلى عدّة أسبابٍ رئيسيّة:

إنّها قمّة الوقاحة والغطرسة والتّعالي وتعمّد الإساءة، ونُكران الجميل لمِصر وشعبها وقيادتها، فلولا الوِساطات المِصريّة التي جاءت دائمًا بعد استِجداءاتٍ إسرائيليّة مُلحّة لدَكّت صواريخ المُقاومة جميع المُدُن الكُبرى مِثل تل أبيب وحيفا والقدس المُحتلّة والسّبع وإيلات.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأسبق لجأ إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن مُستَجْدِيًا تدخّله لدى القيادة المِصريّة لوقف الصّواريخ أثناء معركة “سيف القدس” في رمضان قبل الماضي (أيّار 2021) منعًا للانهِيار وفكًّا للعُزلة الإسرائيليّة عن العالم نتيجةً لإغلاق المطارات، وذهاب 6 ملايين مُستوطن إلى الملاجئ طِوال الأحد عشر يومًا من عُمُرِ هذه المعركة.

المأمول أن تُتَرجِم القيادة المِصريّة هذا الغضب من دولة الاحتلال النّاجم عن خُذلانها، والتنصّل من تعهّداتها، وإحراجها أمام الشعب الفِلسطيني وفصائل مُقاومته والأمّة العربيّة بأسْرها، إلى خطواتِ رَدٍّ عمليّة على الأرض، أوّلها دعم المُقاومة، ورفع الحصار كُلِّيًّا عن قِطاع غزّة وفتْح جميع المعابر والأنفاق، وعدم الإقدام على أيّ مُبادرة للتوسّط في أيّ صِدامٍ قادم بين فصائل المُقاومة ودولة الاحتِلال، وأن تأتي هذه التّرجمة علنيّة وعلى رؤوس الأشهاد، وبِما يرتقي إلى حجم الدولة المِصريّة ومكانتها.

خطر الإرهاب الذي أزهق أرواح آلاف الجُنود المِصريين في سيناء وقفت وتقف خلفه “إسرائيل” لاستِنزاف مِصر وجيشها، واقتصادها، وتجويع شعبها، وبالتّنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، وفي إطار مُخطّط يشمل المِنطقة العربيّة بأسْرها اعتِبارًا من العِراق، ومُرورًا بسورية، وانتهاءً بليبيا، ونعي جيّدًا أنّ القِيادة المِصريّة، بشقّيها السياسي والعسكري تُدرك جيّدًا ما نقول، مثلما تُدرك أيضًا أن “إسرائيل” هي التي تقف خلف سدّ النهضة الذي يُهَدِّد الأمن المائي المِصري، ويَعرِض أكثر من 20 مِليون مِصري للعطشِ والجُوع.

تستطيع مِصر “العظيمة” أن تقول “لا” كبيرة لهذه الغطرسة الإسرائيليّة وقبل أن تتضاعف، لسُوء تقدير أصحابها لمكانة مِصر، ولصبْرها، وطُول نفسّها، ونعتقد أن هذا هو الوقت المُناسب للإقدام على هذه الخطوة الشُّجاعة والحتميّة في ظِل الحربين الأوكرانيّة المُشتَعلة، والتايوانيّة التي على وَشَكِ الاشتِعال، وغرَق أمريكا وأوروبا فيهما.

***

لا نعرف ما هي الدّوافع الحقيقيّة التي تكمن وراء القمّة الخُماسيّة المُفاجئة التي تستضيفها مِصر غدًا الاثنين بحُضور قادة الأردن والعِراق والإمارات والبحرين، ومُعظم المُشاركين فيها “مُطبّع” مع دولة الاحتِلال، والمأمول أن تأتي هذه القمّة، ونتائجها، دعمًا للموقف المِصري في وجْه هذه الطّعنات الإسرائيليّة المسمومة، ووضع حَدٍّ لهذا التّطاول لدولةٍ هشّة مُتغطرسة، يُؤدّي صاروخ واحِد ذكي من الجنوب أو الشّمال لعزْلها عن العالم، ويُرسِل الملايين من مُستوطنيها، إلى الملاجئ.

حرب غزّة القادمة باتت وشيكةً، ونقول ذلك اعتمادًا على تهديد المُجاهد زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي، الذي أكّد فيه أنّ الرّد على عدم الالتِزام بشُروط وقف إطلاق النّار كاملةً بالإفراج عن المُعتقلين سيكون بالصّواريخ، والكثير منها… واللُه أعلم.

Exit mobile version