نواب أمريكيون يهددون السعودية بعقاب طويل الأمد؟ وبن سلمان وبوتين في خانة واحدة .
فجر اليوم //
ينجح وليّ عهد السعوديّة الأمير محمد بن سلمان فيما يبدو بتوجيه الضّربات والإهانات المُوجِعة للرئيس الديمقراطي الأمريكي جو بايدن، فبعد أن ذهب الأخير إلى المملكة طالباً زيادة الإنتاج النفطي يوليو/تمّوز الماضي، لخفض أسعاره في أمريكا، وعاد خائباً، ها هو الأمير الحاكم الفعلي لبلاده يفعلها مُجدّدًا ويُهينه علناً، ويُخفّض إنتاج النفط وبالاتفاق مع روسيا، بنحو مليوني برميل يوميّاً، وهو القرار الذي نزل كالصّاعقة على الأمريكيين، وأثار حفيظة المسؤولين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكيّة.
يكسب الأمير بن سلمان زخماً مُؤيّدًا في العالمين العربي والإسلامي هذه الأيّام، فهو بنظر المُتفاعلين مع قرار خفض إنتاج النفط، يتحدّى الدولة العُظمى أمريكا رغم تحالف بلاده التاريخي معها، ولافت أكثر أنه يفعل ذلك مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين، ويُمرّغ أنف أمريكا بالتراب، غير آبهٍ بخياراتها المُحتملة ضدّه، وعلى رأسها ملف حقوق الإنسان، والتلويح بملف اغتيال جمال خاشقجي، الذي تصعد وتخفت حدّته وفقاً للمصالح الأمريكيّة وحدها حيث الإدارة الأمريكيّة طلبت مُؤخّرًا من المحكمة مُهلة 45 يوماً كي تُقرّر رسميّاً إذا ما كان يجب منح ولي العهد السعودي “حصانةً سياديّة” في قضيّة مقتل خاشقجي، لكن وجهة النظر السعوديّة تقول في هذا الخصوص بأن مناصب الأمير السياديّة تمنحه الحصانة (أصبح رئيساً للوزراء أخيرًا) ولا يحتاجها من أحد.
الأمير بن سلمان والسعوديّة يتعرّضان لحملات تحريض من الإعلام الأمريكي، وبعض المسؤولين السياسيين، ولكن حالة الإشادة التي عبّرت عنها المنصّات العربيّة والإسلاميّة بموقف السعوديّة، لخّصتها وأكّدتها صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكيّة التي نشرت مقالاً قالت فيه بأن بايدن الذي ذهب إلى جدّة وصافح الأمير بقبضة اليد، ردّ عليه بن سلمان بلكماتٍ شديدةٍ في الأحشاء.
ولم تعد السعوديّة بعد قرارها خفض إنتاج النفط تلعب دورًا مُحايدًا في الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، فخطوة خفض الإنتاج سترفع أسعار النفط، وهذا بطبيعة الحال يخدم الرئيس بوتين، والإيرادات التي سيحصل عليها من النفط، وبالتالي استمرار تمويل الحرب في أوكرانيا حيث الأخيرة تنتظر السلاح والمال من أوروبا، وأمريكا، وبدأت بعض الدول الأوروبيّة تعبّر عن عدم قدرتها مُواصلة دعم أوكرانيا، في ظل أزمة الطاقة والغذاء وارتفاع الأسعار وشتاء قارس يقترب.
في اختيار التوقيت، السعوديّة تتعمّد هذا التوقيت المُوجع، لإيلام الحزب الديمقراطي، وبايدن الذي طالما تبجّح عليها بحقوق الإنسان، وتوعّد بتحويلها إلى دولةٍ منبوذةٍ، ووصفها بتوصيفات خارجة خلال حملاته الانتخابيّة، فقبل أسابيع فقط من انتخابات “التجديد النصفي” للكونغرس الأمريكي جاء قرار خفض الإنتاج السعودي، وسيكون الأمريكيّون على موعدٍ مع ارتفاع مُحتمل لأسعار البنزين، ما يُؤدّي ربّما إلى انتخاب الجمهوريين، وهذا ما يُفسّر حالة الغضب والصّدمة التي عبّر عنها بايدن الديمقراطي بعد قرار المملكة خفض الإنتاج النفطي ووصفها بأنها “عدائيّة”، و”اصطفافاً مع روسيا”.
ومن غير المعلوم إذا كانت العلاقات الأمريكيّة- السعوديّة ذاهبة للقطيعة النهائيّة، أو تخفيض مُستواها، حيث علاقات السعوديين مع الديمقراطيين عادةً ما تكون مُتوتّرة في سنوات سابقة (إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما)، ولكن هذه المرّة مُتوتّرة بفارق حرب روسيا على أوكرانيا، وحالة التعالي والجحود الأمريكيّة للسعوديّة ودول الخليج، وعداء شخصي بين الأمير بن سلمان وبايدن، عدا عن وصف البيت الأبيض بوثيقة صادرة لخطوة خفض إنتاج النفط بأنه يُمكن اعتبارها عملاً عدائيّاً، وقد تُسبّب أزمات رئيسيّة للبلاد، وكل هذا قد يلعب دورًا فارقاً في تحديد شكل العلاقة السعوديّة الأمريكيّة للسّنوات القادمة
حالة الغضب الأمريكيّة من السعوديّة غير مسبوقة ولافتة، ويُعبّر عنها السيناتور الأمريكي الديمقراطي عضو مجلس الشيوخ البارز بيرني ساندرز الغاضب من قرار أوبك+ خفض الإنتاج النفطي، حيث طالب السعوديّة أبرز أعضاء الأوبك، بجعل الرئيس بوتين بحماية نظامها الملكي بدلاً من الولايات المتحدة، كما طالب ساندرز بسحب القوّات الأمريكيّة من السعوديّة، واصفاً أياها بأنها “أحد أسوأ مُنتهكي حقوق الإنسان في العالم”، وداعياً لوقف بيع الأسلحة لها.
كما دعا مُشرّعون أمريكيّون إلى خطواتٍ عقابيّة ضد السعوديّة، فيما اقترح نوّاب أن تستعيد الولايات المتحدة أنظمة باتريوت للدفاع الصاروخي المُنتشرة في السعوديّة.
وفي السّياقات الرسميّة، لا تتّبع العربيّة السعوديّة حتى الآن لهجةً حادّةً رغم قرارها الحاد والمُتحدّي لأمريكا بخفض إنتاج النفط، فمن جهته قال وزير الدولة للشؤون الخارجيّة السعودي عادل الجبير بأن بلاده لا تستخدم النفط كسلاح ضد الولايات المتحدة، نافياً أن تكون السعوديّة قد خفّضت النفط لإلحاق الضرر بأمريكا، وأن النفط ليس طائرة مُقاتلة، مُؤكّدًا أن المملكة تتصرّف بطريقة استباقيّة لضمان عدم حدوث انهيار في أسواق الطاقة.
لا تبدو عبارة الوزير الجبير مُقنعةً للأمريكيين، فالجميع هُناك تقريباً من وسائل إعلام ومسؤولين نظرًا لتصريحاتهم الغاضبة وتلويحهم بالإجراءات العقابيّة، مُقتنعون بأنها خفّضت إنتاج النفط لإلحاق الضّرر بأمريكا، وما يزيد الطين بلّة أنه بالاشتراك مع روسيا، وهو ما يُفسّر دخول زعيم الأغلبيّة بمجلس النواب الأمريكي تشاك شومر على خط التهديدات قائلاً في تغريدة على حسابه الرسميّ بتويتر: “ما فعلته المملكة العربية السعودية لمساعدة بوتين على الاستمرار في شن حربه الدنيئة والشرسة ضد أوكرانيا سيتذكره الأمريكيون لفترة طويلة.. نحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروع للغاية، بما في ذلك مشروع قانون NOPEC”.
وإذا جرى تمرير مشروع القانون في مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) ووقّعه الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن “نوبك” سيغيّر قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي لإلغاء الحصانة السياديّة، التي تحمي أعضاء “أوبك+” وشركات النفط الوطنيّة في تلك الدول من الدعاوى القضائيّة.