فجر اليو//
عبد الباري عطوان
اذا كان “الرئيس” محمود عباس لا يستطيع حماية الأبرياء وحقن دمائهم ووقف المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في جنين في الوقت الراهن، فان عليه ان يعلن حل السلطة التي يتزعمها، ويصدر تعليماته لقوات أمنه التي يزيد تعدادها عن ستين الفا، بالانضمام الى كتائب المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، وتوجيه سلاحها الى الجنود الإسرائيليين المعتدين
لرئيس عباس أعلن أكثر من مرة انه لا يريد ان يموت خائنا، وهذه فرصته الذهبية وقد هدّه المرض واقترب من التسعين، وباتت سلطته في قلب الإفلاس، لتطبيق هذه الرغبة، اذا كان صادقا، وحريصا على تطبيق هذه الأمنية الشعار، ومسح كل خطاياه، ورهاناته الفاشلة على سلام مسموم، ومحتل مغرق في عنصريته، اما الهروب الى مجلس الامن الدولي، ومطالبته بالتدخل لحماية الشعب الفلسطيني فقمة العار والخذلان.ما يجري في جنين حاليا هو حرب حقيقية، يستخدم فيها العدو الإسرائيلي اكثر من 150 دبابة ومدرعة، والطائرات المسيّرة والمروحية، والجرافات، وعشرات الآلاف من الجنود ورجال الامن، ويمنع سيارات الإسعاف من الدخول الى المخيم لإنقاذ الجرحى، فماذا تنتظر قوات الامن “الفلسطينية”، وهل ستظل تؤدي خدماتها الخيانية في حماية الاحتلال، وقواته، ومستوطنيه، بذريعة الالتزام باتفاقات أوسلو الي مزقتها، وبصقت عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؟ ***المجاهدون في جنين يسطرون المعجزات، وأشرف ملاحم الدفاع عن أهلهم، بدمائهم الطاهرة، رغم الفارق الكبير جدا في موازين القوى، يواجهون عدوا يملك الطائرات والدبابات وأحدث الأسلحة، ويحظى بدعم عالم غربي عنصري استعماري منافق، وتواطؤ الكثير من الأنظمة العربية الفاسدة الفاقدة للكرامة وعزة النفس.هؤلاء الابطال المدافعين عن أهلهم ووطنهم وكرامة امتهم في مواجهة محتل دموي عنصري فاجر في جنين يقاتلون حتى نقطة الدم، والرصاصة الأخيرة، ويملكون إرادة الجبابرة، ولم ولن يستسلموا، وكل ما يتطلعون اليه هو الشهادة، ولهذا فهم يرهبون العدو، ويبثون الذعر في صفوف، ولن يركعوا مطلقا.اسقطوا ثلاث مسيّرات، وحاصروا قوة إسرائيلية اقتحمت المخيم، وفشلت كل أدوات القتل لدى جيش الاحتلال في كسر هذا الحصار، وهذه البداية، وكلما طال امد الهجوم تزايدت احتمالات اتساع رقعة المقاومة، وانضمام مدن، وقرى أخرى في فلسطين المحتلة الى ميدان المواجهة، فهؤلاء الشبان الذين فجروا الثورة المسلحة ردا على جرائم الاحتلال، وأسسوا الكتائب، وطوروا، وصنّعوا الأسلحة والصواريخ في “مخارطهم” المحلية، رغم امكانياتهم المحدودة، والحصار الخانق المفروض عليهم اسرائيليا وعربيا، هؤلاء الشبان في عرين الاسود، والنمور، والفهود، سيغيروا كل المعادلات، لان نفسهم طويل جدا، فاذا كانت انتفاضة اشقائهم وآبائهم المسلحة التي انطلقت شرارتها الأولى عام 2000 ردا على مؤامرة كامب ديفيد وإملاءاتها، استمرت خمس سنوات، فانهم لن يتوقفوا حتى انهاء الاحتلال، ولن ينخدعوا بأكاذيب المجتمع الدولي، ووساطات الأنظمة العربية الخائنة التي تصنفهم كإرهابيين، وتحرص على دماء الإسرائيليين اكثر من حرصها على دمائهم، وباعوا انفسهم ودولهم وجيوشهم وكرامتهم من اجل بعض الدولارات، او حماية أمريكية وهمية.هذه المجازر الإسرائيلية في جنين هي الاختبار الأكبر لما يسمى بوحدة الساحات، وغرفة المقاومة المشتركة، وكل الفصائل المقاتلة، خاصة في قطاع غزة، فمن غير المسموح او المقبول ان تكون هناك سلطة أخرى في غزة، تقف موقف المتفرج إزاء هذه المجازر، فما فائدة الصواريخ، والمسيّرات اذا كانت ستظل في مخابئها بينما اهل جنين يذبحون من الوريد الى الوريد؟، وتطحن عظامهم، واطفالهم، الدبابات والجرافات الإسرائيلية.
***الرئيس بنيامين نتنياهو، بإقدامه، وحكومته، على هذه المجزرة وضع نقطة البداية لنهاية دولة الاحتلال، وعجّل باقتراب اليوم الأخير لها، وهيأ المسرح لتكرار مشهد الهروب الكبير والفوضى العارمة اللذين شاهدنا فصولهما في سايغون وكابول.الشعب الفلسطيني الذي انتظر المجتمع الدولي المنافق ما يقرب من الثمانين عاما لنصرته، وثلاثين عاما أخرى لتطبيق اتفاقات أوسلو التي جرى توقيعها في حديقة البيت الابض عام 1993، قرر ان يأخذ حقه بيده، ويطلق شرارة الانتفاضة المسلحة من مخيم جنين ونابلس وغزة، ولن توقفه أي مبادرات سلام دولية مخادعة على غرار اللجنة الرباعية سيئة الذكر ومؤلفها الإرهابي توني بلير، او خريطة الطريق التي صاغتها الإدارة الامريكية الأكثر إرهابا وتواطؤا مع الاحتلال الظالم في التاريخ.
فلاحو مزارع الأرز الفقراء في فيتنام قاوموا القوة الامريكية العظمى وطائرات الفانتوم وقنابل النابالم الحارقة بمناجلهم، وانتصروا، والطالبان الحفاة قاتلوهم عشرين عاما، وطردوهم من أفغانستان مثل الارانب المذعورة، وشاهدنا ذلك بالصوت والصورة في مطاري سايغون وكابول، والشعب الفلسطيني لن يكون اقل شجاعة وإرادة وتصميما من هؤلاء، وكل الشعوب الأخرى التي قاومت الاستعمار، وانتصرت، نراها قريبة جدا.. والأيام بيننا.