لماذا حذر السيد أمريكا وحلفاءها من المضي قدما في مخطط انهيار لبنان واشعال فتيل الفوضى التدميرية فيه؟ وهل سيفي بتهديداته هذه المرة بقصف “الكيان” وحلفائه في لبنان؟ ولماذا كان غاضبا ومحبطا واختار بدء التصدير من حقل كاريش لإلقاء هذا الخطاب؟ اليكم السيناريو الأكثر احتمال

فجر اليوم //

جاء خطاب السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله الذي القاه عصر اليوم وتزامن مع بدء دولة الاحتلال الإسرائيلي في استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش اللبناني الفلسطيني حافلا بالتهديدات في أكثر من اتجاه، ومتنبئا بحدوث انهيار وفوضى في لبنان، ربما تقود الى حرب إقليمية موسعة تكون “إسرائيل” أكبر أهدافها.
السيد نصر الله هدد في خطابات مماثلة بالرد على أمريكا بضرب دولة الاحتلال “ربيبتها” في المنطقة، ولكن يبدو ان تهديداته هذه المرة ربما تكون مختلفة، لان الرهان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية في اخراج لبنان من ازماته، وتدفق الاستثمارات لإحداث انفراج في الازمة الاقتصادية تحديدا، وتخفيف معاناة ملايين اللبنانيين فد فشل فشلا ذريعا حيث جاءت “المكافأة” على هذا الترسيم الذي تضمن تنازلات كبيرة، مسمومة، ومهينة، عنوانها الأبرز المزيد من الضغوط التجويعية الامريكية على لبنان وشعبه.
توقيت القاء هذا الخطاب، والرسائل التي حملها، جاء دقيقا، ولا نستبعد ان السيد نصر الله اختاره بعناية، وعلى عجل، فوجه الرجل كان مكفهرا، وملامح الغضب والإحباط، بادية عليه، ويمكن رصدها بسهولة وبما يعكس تحولا في لغة المخاطبة، من الإطالة والشرح، الى التهديد المباشر، واللهجة التصعيدية التعبوية العفوية بعيدا عن المجالات، والحسابات اللبنانية الداخلية السياسية، والطائفية المعقدة مثلما كان عليه الحال في معظم خطاباته الأخيرة.
***
فعندما يقول السيد نصر الله ان الامريكان وحلفاءهم في لبنان يخططون للانهيار والفوضى في البلاد، وانهم سيخسرون لان الرهان على ان “تدفع الآلام والمعاناة غير المسبوقة البيئة الحاضنة الى التخلي عن الدفاع عن قيمها ودفاعها، سيادتها، وكرامتها وأمنها ومالها رهان خاسر”.
النقطة اللافتة الأبرز في رأينا ان السيد نصر الله يتوقع حدوث وشيك للانهيار الكامل والفوضى، وان حركة المقاومة اللبنانية وحلفاءها خارج لبنان، مستعدة لكل السيناريوهات العسكرية المحتملة، ولن تقف في موقف المتفرج، وستضرب دولة الاحتلال “ربيبة” امريكا، مذكرا في الوقت نفسه بإرسال ثلاث مسيرات الى حقل كاريش، وهي الخطوة التي دفعت المبعوث الأمريكي الى الهرولة والتعجيل بإنجاز اتفاق ترسيم الحدود.
نختلف مسبقا مع الذين سيشككون بهذا الخطاب والتهديدات التي وردت فيه، وسيكررون خطابهم التقليدي بالقول “نسمع جعجعة ولا نرى طحنا”، ولن يختلف هذا الخطاب عن سابقاته، فعندما يصل سعر الليرة اللبنانية الى 75 الفا مقابل الدولار، وترتفع أسعار المواد الغذائية والضرورية الى معدلات قياسية تتجاوز القدرات الشرائية للمواطن ليس الفقير فقط، وانما من الطبقة الوسطى، ولا يجد المواطن رغيف الخبز لأطفاله، ولا الكهرباء والدواء والامن، فان الانفجار الأكبر هو الخيار الوحيد.

السيد نصر الله وضع نفسه امام تحد ربما يكون الأخطر منذ توليه قيادة المقاومة، لأنه يصعب التراجع عنه، بعد ان حدد بدقة الدور الأمريكي الإسرائيلي في تفجير الفوضى في لبنان للقضاء على المقاومة وسلاحها وانصارها، وبعد ان فشلت تنازلات ترسيم الحدود في تجاوز هذه الفوضى، ووضع حد للتسويف في مسألة استخراج الغاز والنفط اللبنانيين.

طرح السيد نصر الله مثلا بالرفض الإيراني لعشرات الرسائل الامريكية بالجلوس وجها لوجه على مائدة المفاوضات المباشرة بعيدا عن الأوروبيين والوسطاء العرب، لبحث الخلافات بشأن الاتفاق النووي وغيره، لم يكن من قبيل الصدفة، لان هذا الرفض الإيراني جاء نتيجة الادراك بأن هذا الخيار (وجها لوجه) يعني المزيد من الضغوط المباشرة، ولأنه لا يوجد أي حد للطلبات الامريكية، فعندما تبدأ لن تنتهي حتى تجريد الطرف المقابل من كل دفاعاته ومطالبه وقيمه.
***

صحيح ان السيد نصر الله وحلفاءه الإيرانيون الذين فسروا له ولنا عبره، لأول مرة أسباب رفضهم للمفاوضات المباشرة، لم يضربوا مثلا بعراق صدام حسين وتجربته المريرة في المفاوضات مع الامريكان وقدم فيها كل التنازلات، بما في ذلك تدمير أسلحة الدمار الشامل، وجاءت المكافأة تشديد الحصار، ومن ثم الغزو والاحتلال واستشهاد مليوني مواطن عراقي نسبة كبيرة منهم من الأطفال، او بالخديعة الكبرى التي وقع فيها الفلسطينيون بتوقيع اتفاق أوسلو بضمانات أمريكية، وانخرطوا في مفاوضات مباشرة استغرقت 30 عاما دون ان يحصلوا الا على المزيد من المجازر.
هل سيأخذ الإسرائيليون والامريكان ما ورد في هذا الخطاب على محمل الجد، ويتخلون وحلفاؤهم عن دفع لبنان الى الفوضى التدميرية الوجودية، ام سيغلقون آذانهم ويديرون ظهرهم لما ورد فيه من تهديدات، ويمضون قدما في مخططاتهم؟
الرد على هذا الموقف الأمريكي الإسرائيلي بالتجاهل، جاء في خاتمة خطاب السيد “القصير” و”الغاضب”، وفي الفقرة التي قال فيها “من يريد ان يدفع لبنان الى الفوضى والانهيار عليه ان يتوقع كل ما لا يخطر على باله”.

الزلزال الأكبر، والأخطر، قادم وربما سيأتي الصاعق المفجر له من جنوب لبنان، اللهم الا اذا حدثت “معجزة” ونحن لسنا في زمن المعجزات.. والأيام بيننا.

Exit mobile version