فجر اليوم //
تعتبر قصة الإمبراطورية البريطانية قصة فريدة مختلفة عن غيرها من الإمبراطوريات في التاريخ، فهي ليست بالأساس ذات مساحة شاسعة وعمق إستراتيجي، بل كانت عبارة عن جزيرة متواضعة المساحة تعاني من إنقسامات وصراعات عرقية ودينية، لتتحول إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
وقد أثبتت أن قوة الأسلحة والجيش وحدها لا تكفي للسيطرة على مئات الملايين من البشر ، ومساحات شاسعة من الأرض، فمثلا تقول الأرقام أن عدد المسؤولين البريطانيين الذين حكموا الهند هم 1000 مسؤول فقط، وكانوا يتحكمون في حياة أكثر من 400 مليون هندي، وفي إفريقيا 1200 مسؤول إنجليزي يتحكمون في مستعمرات إنجلترا في إفريقيا الممتدة من مصر الى نيجيريا الى جنوب أفريقيا.
وأما الإجابة على هذه الحالة التاريخية، فسألخصها بالنقاط التالية:
1- الوحدة الداخلية: إيجاد صيغة للوحدة في عام 1707 م حينما تحول القوميات الإنجليز والاسكتلنديين والويلزيين إلى بريطانيين على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وتم صنع علم ليوحدهم ويشملهم، وفي نفس الوقت تم حصر منصب الملك في الأغلبية البروتستانتية ليصبح الملك ذو لقب ديني ودنيوي، وفي نفس الوقت يتحكم بالصلاحيات الرجال الأكفاء.
2- الإزدهار: حيث كانت بريطانيا أسبق دول العالم في تحقيق النهضة الصناعية. فمنذ منتصف القرن الثامن عشر انطلقت بها الثورة الزراعية التي أدت إلى تحسن المستوى المعيشي لسكان الأرياف فتزايد إقبالهم على استعمال المعدات الزراعية المتطورة واعتماد جانب من مدخراتهم في تطوير المشاريع الصناعية. كما أدت الثورة الزراعية وإدخال الآلات وطرق الاستغلال الحديثة إلى سيطرة الملكيات الكبيرة والاستغناء عن نسبة هامة من العمال الزراعيين فتوفرت بذلك يد عاملة رخيصة وكثيرة العدد للمصانع، وقد حقق لها ذلك أيضا إختراعات جديدة ضمنت لها التفوق العالمي، وأهمها اختراع الآلة البخارية التي عملت على مكننة صناعة النسيج والأقمشة وصنع القطار .
3- الدهاء السياسي: لقد تعاملت بريطانيا مع دول العالم بدهاء عالي المستوى، فإستفادت من صراع نابليون والروس، ونابليون الثالث والبروسيين، والدولة العثمانية وروسيا وغيرهم الكثير، واستطاعت بدهاء التحكم بأوراق الضغط والمصالح والسيطرة على الدول التي تضعف بسببها أو بسبب غيرها، فكانت لا تدخل حرب إلا بعد ضمان الإنتصار بها.
4- الحكم غير المباشر : إستعملت بريطانيا في مستعمراتها أصحاب النفوس الضعيفة من الزعماء المحليين، وضمنت ولائهم ببعض الترغيب والرشاوي المالية والألقاب والأوسمة وشراء الذمم ، مع بعض التخويف من العقاب أو الخلع من المنصب ، ليكونوا وكلاء للمستعمر البريطاني ، يحققون مصالحه على حساب مصالح البلد والشعب، مقابل بعض المكافآت.
5- جيوش تابعة: بناء جيوش تابعة فمثلا كان في الهند جيش يتكون من ما يقرب من ١٠٠ الف هندي، ولكنه يعمل لصالح المستعمر، بل ويقتل الهنود ويقمعهم لو حاولوا أو طالبوا بالإستقلال.
6- المبهورين: صناعة طبقة من المتعلمين المبهورين ببريطانيا، عن طريق الدعاية والإعلام والمدارس الأجنبية التي تصنع أجيال من العبيد لها، وكل مرجعيتهم وأحلامهم هي بريطانيا وارستقراطيتها وتقليدها، وإن عبودية العقول تضمن عبودية الإقتصاد والسياسة والجيش وكل شيء.
7- فرق تسد: عملت بريطانيا على خلق الإنقسامات في داخل الشعوب التي تحكمها، لتستعملها كأوراق للتحكم في الشعب في حال تمرده، فكان لها الفضل في خلق أديان وطوائف جديدة، وكذلك في دعم أقليات عرقية، أو في شحن الفئات المختلفة من عناصر الشعب الواحد.
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري