فجر اليوم//
لطالما صنّفت الولايات المتحدة الأردن بوصفه شريك وحليف استراتيجي للولايات المتحدة، ولكن خلال السنوات الأخيرة بدأت تظهر علامات استغلال لهذه العلاقة من طرف الولايات المتحدة كما قامت هذه الدولة بتجاهل دور الأردن الإقليمي وعملت على تعريض أمنه القومي للخطر غير ذات مرة. وتعتبر “صفقة القرن” المؤامرة الأصلية التي تعرض لها الأردن في حقبة الجمهوريين أثناء رئاسة دونالد ترامب، إذ تم تجاهل دور الأردن الإقليمي ودوره في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس، إذ أن صفقة القرن كانت تخطط لإقامة أرخبيل صغير للدولة الفلسطينية يرتبط ببعضه البعض عبر الجسور والأنفاق وسعت كذلك إلى تحويل القدس بما فيها من أماكن مقدسة إلى عاصمة لإسرائيل.
لم تشهد العلاقات الأمريكية-الأردنية تحسناً حتى بعد قدوم الرئيس الديمقراطي جو بايدن، بل بدت هذه العلاقة تتجه نحو الأسوء خصوصاً بعد أزمات متعددة كانت تخطط لها الولايات المتحدة وكان أخر هذه الأزمات هو الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى. وبناء على ما سبق يمكننا القول بأنّ الأردن يتعرض لأزمات وجودية خطيرة تمس أمنه القومي بشكل مباشر ويتطلب منه ذلك التماهي مع الموقف الشعبي الواعي لهذه الأزمات.
الأزمة الأولى: الأردن المحطة القادمة للعدوان الإسرائيلي
منذ الأيام الأولى للعدوان على قطاع غزة أظهر الشعب الأردني وعياً منقطع النظير تجاه الأزمة الفلسطينية حيث يعتبر هذا الشعب القضية الفلسطينية قضيته وبأن ما يربط هذين الشعبين من تاريخ ودين مشترك وثقافة واحدة يجعل مصيرهما مشتركاً كذلك.
أظهر مقطع فيديو أحد المشاركين في اعتصام مفتوح في العاصمة الأردنية عمان وهو يقول: “بس تروح غزة الدور جاي علينا”. ويبدو بأنّ هذا هو التحليل الأكثر دقة حول الأزمة المستمرة في قطاع غزة.
إن التصرفات الإسرائيلية المتكررة والتي أشار إليها وزير ماليتهم عبر حذف دولة فلسطين من الخارطة وعبر الترويج الإسرائيلي المستمر لإسرائيل الكبرى يشير وبكل وضوح إلى أن عين إسرائيل على الأردن وأراضي الأردن.
ولا ننسى بأنه بمجرد أن قرر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلغاء بلاده التوقيع على اتفاقية تبادل الطاقة مقابل المياه مع الاحتلال وذلك على ضوء العدوان المتواصل على قطاع غزة، ظهرت التهديدات الإسرائيلية الواضحة والصريحة عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “نفتالي بينيت” الذي قال بأنه إذا كان قادة الأردن يريدون أن يعطش شعبهم فهذا حقهم. ويبدو بأن رئيس الوزراء السابق لا يتحدث عن هذه الصفقة تحديداً بل يتحدث عن تقارير استخباراتية جديدة كشفت بأن الإسرائيليون يخططون للسيطرة على أغوار الأردن التي تعتبر مصدر حيوي مهم للمياه والغذاء الأردني.
ويبدو بأن التهديدات الإسرائيلية لم تقتصر على الجانب التخطيطي بل تعداه إلى الجانب العملياتي عبر استهداف المستشفى العسكري الميداني الأردني الذي يعمل في القطاع مما تسبب بجرح سبعة من الكوادر الطبية الأردنية.
الأزمة الثانية: التهجير القسري لسكان الضفة والقطاع إلى الأردن
تتجاهل إسرائيل وبشكل عمدي جميع التصريحات الأردنية الرسمية التي تحذر من تهجير الفلسطينيين بشكل قسري خارج بلادهم. إذ تنظر الحكومة المتطرفة في تل أبيب إلى الحرب في غزة على أنها فرصة مواتية لعملية تهجير كبيرة تضم قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء ولعل أهداف التهجير هذه هي التي تدفعه إلى ممارسة التوحش العنيف في الضفة الغربية.
قبل أيام، نشرت صفحة إسرائيلية عنوانها “هاجروا الأن” منشورات عنصرية وتحذيرية موجهة إلى سكان الضفة الغربية تطالبهم بالهجرة إلى الأردن قبل فوات الأوان. ونشرت الصفحة ذاتها خريطة حملت عنوان “مملكة إسرائيل المتحدة في زمن شاول وداود” وهي تضم أجزاء كبيرة من الأراضي الأردنية.
المهم في موضوع تهجير الشعب الفلسطيني هو أن هناك إدراك عميق في الأوساط الرسمية الأردنية والفلسطينية لحجم المؤامرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. إذ قال إسماعيل هنية بان تهجير أهالي الضفة إلى الأردن أمر مرفوض. كما أن الإدارة الأمريكية فشلت في توفير الدعم الدولي والإقليمي لقبول هذا التهجير.
بينما ردد الملك الأردني بأن التهجير القسري خط أحمر ليس فقط لسكان الضفة بل ي تهجير لسكان الضفة باتجاه الأراضي المصرية.
قبل عملية طوفان الأقصى بأسابيع قليلة، عملت الولايات المتحدة على زعزعةالاستقرار في الحدود السورية-الأردنية وذلك عبر الترغيب بحركة انفصالية في السويداء. وجاءت هذه التحركات نتيجة التقارب الأردني-السوري والدور المحوري الذي لعبه الأردن في تلطيف العلاقات العربية السورية والتي لم تنال الرضى الأمريكي.
ردد الأمريكيون مراراً وتكراراً بأن الانفصال سوف يؤمن الحدود الأردنية السورية من عصابات التهريب وتجارة المخدرات. وتتجاهل الولايات المتحدة بأن عصابات الجرائم المنظمة تعمل بشكل تنسيقي من شرق أسيا إلى قلب أوربا وأن الحكومة السورية نفسها تعاني من هذه العصابات. وقد ذكر تقرير الولايات المتحدة نفسها عن الاستراتيجية للتعامل مع الكبتاغون المهرب من سوريا بأنّ العصابات المنظمة تعمل في أكثر من 17 دولة من ماليزيا في أسيا إلى إيطاليا في أوربا.
وتجاهلت الولايات المتحدة أمن الأردن في ذلك لإنه لو انفصلت السويداء فإن النار المشتعلة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل سوف تتسرى من مدينتي البوكمال ودير الزور إلى جنوب سوريا. كما أن عملية الانفصال لم تكن لتعود بالنفع الاقتصادي على الأردن خصوصا بأنّ المعابر الاقتصادية يتكفل بحمايتها وتشغيلها الحكومة السورية وليس المتمردون.
من الملاحظ بأنّ الولايات المتحدة ضربت بجهود الأردن بعرض الحائط تلك الجهود التي قامت على مبدأ الخطوة بخطوة. فرغم أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لم تأت بأي نتائج ملموسة لها ولم تجني منها أي فوائد اقتصادية، إلا أنه يبدو أن خلق صراع على أي مستوى بين الأردن وسوريا هو مؤامرة استراتيجية ضد الأمن القومي الأردني ويصب في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل فقط.
وفي ظل استمرار المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية على أمن الأردن حتى بعد عملية طوفان الأقصى، فإنه يمكن للأردن وبدون الانخراط في صراع مع سوريا (كما ترغب الولايات المتحدة) زيادة أمن حدوده من خلال تعزيز القوات الأمنية لجداره الحدودي مع سوريا وتجهيز مرافق المنطقة الحرة المشتركة بأنظمة المراقبة والرصد والتفتيش الإلكتروني ومنع أي تجاوزات سياسية واقتصادية وأمنية.
كاتبة وباحثة عراقية