هل جاءت عملية تدمير “جسر القرم” هدية للرئيس بوتين بمناسبة عيد ميلاده السبعين؟ وما هي احتمالات الرد الروسي الثلاثة عليها؟ وماذا يعني تغيير قائد القوات الروسية في أوكرانيا الخبير في حروب العصابات وآخرها في سورية؟
عبد الباري عطوان //
لا نعرف ما هي الدوافع وراء خروج أوكرانيا عن قواعد الاشتباك المتبعة منذ بداية حربها مع الروس قبل ثمانية اشهر، ولجوئها الى تكثيف “حرب العصابات” بإرسالها شاحنة مفخخة لتدمير جسر القرم الذي يربط بين شبه الجزيرة التي استعادتها موسكو عام 2016، واليابسة الروسية، ويمتد حوالي تسعة كيلومترات فوق البحر، وكلف بناؤه الخزينة الروسية ما يقرب المليار دولار، وبعد أيام قليلة من تفجير خط انابيب غاز “نورد ستريم” الاستفزازي.
الأهم من ذلك حال الاحتفال بهذه العملية التي وصفتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا بـ”الإرهابية”، والسخرية من الرئيس فلاديمير بوتين، باعتبارها “هدية” له في عيد ميلاده السبعين الذي تصادف يوم امس الجمعة، وبث اغنية مارلين مونروا “عيد ميلاد سعيد سيدي الرئيس” عدة مرات، وإصدار طابع بريدي تخليدا لها.
الجميع الآن في انتظار كيفية الرد الروسي على هذه العملية الأوكرانية المفاجئة، التي جاءت في وقت تتسع فيه دائرة الانتكاسات العسكرية الروسية، مما أدى الى عزل قائد الجيش الروسي في أوكرانيا وتعيين الجنرال سيرغي سوروفيكني الذي يملك خبرة قتالية عالية في ميادين حرب العصابات في طاجيكستان، خلال التسعينات، وفي الشيشان مطلع الالفية الحالية، وقاد قوات التدخل الروسي في سورية، مما يعني ان الرئيس بوتين يخطط لتوسيع دائرة هذه الحرب، وتغيير مسارها التقليدي المتبع منذ بدايتها قبل ثماني اشهر.
هناك ثلاثة احتمالات يمكن ان يلجأ اليها الرئيس بوتين للرد على هذه العملية “الإرهابية” التي الحقت ضررا كبيرا بصورته، وأثارت قلقا بنقلها الحرب تدريجيا الى العمق الروسي، وضرب البنى التحتية الاقتصادية الروسية:
الأول: تدمير قطاع كبير للبنى التحتية الأوكرانية سواء بعمليات ميدانية أرضية، او بقصف جوي بالصواريخ والمسيّرات، واستهداف الجسور ومحطات الكهرباء والمياه في العاصمة كييف والمدن الأخرى، على اعتبار ان القيادة الأوكرانية هي البادئة وأعفت القيادة الروسية من حرج قانوني مهم، وما يدعم هذه “النظرية الافتراضية” تهديدات ميخالو بوديلاك مستشار الرئيس زيلينسكي بتدمير كل شيء غير قانوني، وإعادة كل ما سرقته روسيا، وطرد القوات الروسية من كل الأراضي التي احتلتها”.
الثاني: اللجوء الى حرب العصابات من خلال تشكيل وحدات خاصة مؤهلة ومدربة بشكل جيد، ويمكن الإستفادة في هذا المضمار بتجارب سورية ولبنان والعراق وايران واليمن.
الثالث: استخدام قنابل نووية تكتيكية لوقف تقدم قوات الجيش الاوكراني خاصة في الأقاليم الاربعة التي جرى ضمها الى روسيا مؤخرا، وخاصة إقليمي خيرسون ودونتسك.
الاحتمالان الأول والثاني، أي اللجوء الى حرب العصابات، وقصف البنى التحتية الأوكرانية، غير مستبعدين على الاطلاق، لكن الاحتمال الثالث، أي اللجوء الى القنابل النووية التكتيكية غير وارد في الوقت الراهن على الأقل، ولن يستخدم الا كخيار أخير، وبعد الحاق هزائم ميدانية كبيرة بالقوات الروسية، وخسارة الرئيس بوتين الحرب التقليدية الدائرة حاليا، وحدوث تمرد داخلي ضد قيادته بسبب ادارته للحرب.
سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي لمّح الى طبيعة الرد الروسي الحتمي على عملية الجسر “الاستفزازية” التي نقلت الحرب الى مرحلة جديدة بقوله “صبر موسكو في وجه أعمال العدوان الاقتصادية له حدود”، مؤكدا ان بلاده “ستستخدم كل الإمكانيات المتوفرة لديها لحماية مصالحها الوطنية اذا لزم الأمر”.
الرئيس بوتين يراهن على النّفس الطويل، وعدم التسرع في الاقدام على خطوات ربما تعطي نتائج عكسية، مثلما يراهن على الانهيار الاقتصادي وازماته المحتملة في أوروبا وامريكا، ويتضح ذلك بجلاء بقول لافروف مهندس السياسة الخارجية الروسية “كل ما أرادوا إثارته في بلادنا يبدأ في الظهور في عقر دارهم.. ارتفاع فاحش في الأسعار.. انخفاض في المداخيل.. ونقص الطاقة”، ولعل القرار الذي اتخذته منظومة “أوبك بلس” بخفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل يوميا سيعزز هذا الرهان وسيزيد فرص نجاحه.
***
خسارة أمريكا للحرب الاوكرانية تتأكد يوما بعد آخر، والخروج عن قواعد الاشتباك التقليدية بتحريض الرئيس زيلينسكي وجيشه على تفجير جسر القرم، ربما يكون أحد علامات الفشل واليأس، وليس القوة والانتصار بالتالي، وهذه الخطوة ربما جاءت “هدية” كبرى للرئيس بوتين في عيد ميلاده السبعين فعلا لأنها قد تعفيه من أي لوم في حالة رد قواته بالمثل، وتوسيع دائرة الحرب بضرب البنى التحتية الأوكرانية وتدميرها ليس في كييف فقط، وانما في مختلف لمدن الأخرى، فهذه العملية “الإرهابية” جاءت تجاوزا لكل الخطوط الحمر.. والأيام بيننا.