فجر اليوم //
عبد الباري عطوان
إقدام عناصر “فدائية” من نخبة القوات الخاصة لحكومة صنعاء بزعامة حركة “انصار الله” على احتجاز سفينة شحن إسرائيلية في هجوم شنوه بعد إعداد دقيق، ودراسة متعمقة، استخباريا وعسكريا، واقتيادها الى البر اليمني قبل بضعة أيام يعكس أخطر صور نظرية توسيع دائرة الحرب في غزة عمليا، وضربة قوية للهيمنة الامريكية على البحر الأحمر والمحيط الهندي، ووضع مضيق باب المندب في مرمى القوات اليمنية التي تجسد ذراعا قويا واساسيا في محور المقاومة.
العميد يحيى سريع المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية التابعة لحركة “انصار الله” كان واضحا عندما كشف ان عملية الاحتجاز هذه ما هي الا البداية، وان عمليات أخرى قادمة في الطريق لسفن أخرى في البحر الأحمر سواء ترفع العلم الإسرائيلي، او تعود ملكيتها لإسرائيليين وتتخفى تحت أعلام أخرى.
والأهم من ذلك انه، أي العميد سريع، هدد بأن قواته المسلحة لن تتردد في إغلاق مضيق باب المندب الذي يمر عبره أكثر من 15 بالمئة من حجم التجارة العالمية مما يعني إغلاقا مباشرا لقناة السويس التي تحتل عوائدها المالية المرتبة الثانية (8 مليارات دولار) بعد تحويلات العاملين المصريين في الخارج (25.6 مليار دولار).
رد الفعل الأمريكي على إحتجاز هذه السفينة الإسرائيلية كان استفزازيا وينطوي على الكثير من الازدواجية والنفاق، خاصة قول المتحدث الرسمي باسم المجلس القومي الأمني الأمريكي ان هذا الاحتجاز للسفينة يشكل انتهاكا للقانون الدولي.
هذا المتحدث الأمريكي “الأعور” استراتيجيا، وسياسيا، يتجاهل الأسباب الحقيقية لإقدام القوات اليمنية الخاصة على إحتجاز هذه السفينة في عرض البحر، أي الانتصار للأبرياء الاشقاء في قطاع غزة، ويتجاهل كليا أيضا اغتيال أكثر من 15 الف مدني فلسطيني، معظمهم اطفال ورضع، واصابة 35 الفا آخرين، وتدمير نصف المباني والمنازل في القطاع، في إطار حرب إبادة وتطهير عرقي غير مسبوقة في التاريخ.
احتجاز القوات اليمنية سفينة شحن إسرائيلية دون الحاق أي أذى بطاقمها، يعتبر انتهاكا للقانون الدولي، اما حرب الإبادة والتدمير والتهجير الإسرائيلية في القطاع المحاصر المجوّع، فهذا تجسيدا حقيقا لهذا القانون، ويسألونا لماذا نكره أمريكا؟
دخول حكومة صنعاء الحرب ضد دولة الاحتلال نصرة لأشقائها في غزة، يؤكد عدة أمور على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة:
أولا: قيادة حركة “انصار الله” اليمنية تملك الكثير من الاستقلالية في قرارها، مثلما تملك القدرة على اتخاذ قرار الحرب وتنفيذه فورا دون تردد، ودون أي خوف، وهذه صفة نادرة هذه الأيام في معظم الحكومات والجيوش العربية.
ثانيا: التأكيد، ومن ثم الالتزام، بمبدأ وحدة الساحات التي يتبناها محور المقاومة، وبطريق عملية فعالة، بدءا من قصف ايلات بالصواريخ الباليستية او بالطائرات المسيرة، وانتهاء بإغلاق البحر الأحمر في وجه الصادرات البحرية الإسرائيلية التي يمر 80 بالمئة منها عبره.
ثالثا: فشل كل أنواع الحصارات والحروب، ووسائل التجويع في إضعاف الارادة، والانتماء اليمني للعروبة والإسلام، والتخلي بطريقة او بأخرى، عن القضية المركزية العربية والإسلامية الأولى.
رابعا: الملاحة الدولية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ومنطقة الخليج بما في ذلك الاساطيل والسفن الامريكية والأوروبية التجارية والعسكرية باتت تحت رحمة الصواريخ والمسيّرات اليمنية.
كان لافتا ان الولايات المتحدة الامريكية واساطيلها في المياه العربية، سواء في البحر الأحمر او الخليج، لم تقدم، بل لم تهدد بأي رد انتقامي على احتجاز اليمن للسفينة الإسرائيلية، مثلما التزمت الصمت قبلها على قصف ميناء ايلات الفلسطيني المحتل، ويعود السبب في ذلك الى خوفها من التورط في حرب مع اليمن لا يمكن ان تفوز فيها، مثلما حدث لكل غزاة اليمن على مر التاريخ.
من الصعب علينا ان نتنبأ بالخطوات المقبلة لحكومة صنعاء وجناحها العسكري، وكل ما نستطيع قوله ان الخط البياني يشير الى تصاعد مضطرد، فمن الواضح ان هناك مفاجآت قادمة، فمثلما لم يكتف هذا الجناح بالصواريخ والمسيّرات لقصف ايلات والنقب، وفاجأ الجميع عندما نفذ تهديداته بإحتجاز السفن الإسرائيلية، فمن غير المستبعد ان تكون الخطوة المقبلة زرع الغام بحرية في مضيق باب المندب تغلقه بشكل نهائي امام الملاحة الدولية.
السيد محمد الحوثي الذي يوصف بأنه الرجل الثاني “عمليا” في القيادة اليمنية الحاكمة في صنعاء، رد على المطالبة الامريكية بالإفراج الفوري عن السفينة الإسرائيلية بالقول “لن يتم هذا الافراج الا بعد وقف حرب الإبادة في قطاع غزة، ونحن جاهزون لكل الاحتمالات”.
بعض “العقلاء” المستسلمين وصفوا الاقدام على قصف ايلات، واحتجاز السفينة الإسرائيلية واليمنيون الذي يقفون خلفها بـ”الجنون”، بينما ترى الأغلبية العربية والإسلامية الساحقة بأنها قمة التعقل والحكمة تجسيدا لمقولة “الايمان يماني والحكمة يمانية”.. وقادم “أبويمن” اعظم.. والأيام بيننا.