فجر اليوم //
من الطبيعي ان يحتل تهديد السيد حسن نصر الله زعيم المقاومة الإسلامية لدولة الاحتلال الإسرائيلي بإعادتها الى العصر الحجري، وزوالها كليا في حال شنها أي عدوان على لبنان، العناوين الرئيسية في محطات التلفزة والصحف ومواقع وسائل التواصل الاجتماعي، لكننا نعتقد ان تناوله الحكيم والمتعقل للأحداث اللبنانية، وخاصة إنقلاب شاحنة تابعة للحزب في منطقة الكحالة كان رسالة قوية للبنانيين، بمختلف طوائفهم بعدم الإنجرار الى مصيدة التحريضات الخارجية، وخاصة من قبل أمريكا وإسرائيل، والغرق في حرب أهلية دموية قد تستمر سنوات، وتنتهي بدمار لبنان.
صحيح ان تهديدات يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي بإعادة لبنان الى العصر الحجري اذا اشتعلت الجبهة الشمالية استفزت السيد نصر الله، واستدعت ردا مباشرا وقويا وسريعا، ولكن في ظل ضعف الجيش الإسرائيلي وأخذ محور المقاومة زمام المبادرة، وتعاظم قوتها، فإن الخيار الإسرائيلي حتى هذه اللحظة تجنب الحرب المباشرة مع “حزب الله” والذهاب الى حرب بـ”الانابة” من خلال قوى لبنانية كشرت عن أنيابها اثناء حادثة كعب الكحالة، ولهذا أعطى السيد نصر الله مساحة كبيرة لهذه الحادثة وتداعياتها في خطابه الأخير، وحذر من ان جميع الأطراف ستكون خاسرة في اي حرب أهلية بما في ذلك الطرف الأقوى، في إشارة الى “حزب الله” الذي يتزعمه.
حديث السيد نصر الله عن حصول تقدم في الحوار الجاري حاليا مع التيار الوطني الحر ورئيسه السيد جبران باسيل، وإشادته بدور الرئيس ميشال عون ودعوته الى التهدئة في الأوساط المسيحية لتجنب الفتنة الطائفية على أرضية حادثة الكحالة يوحي بإهتمامه بتطورات الوضع الداخلي اللبناني، ووعيه الدقيق بالفتنة التي تريد أمريكا وإسرائيل بذر بذورها، بما يعكس حرصه على أمن واستقرار البلاد مع قرب وصول سفينة التنقيب عن النفط والغاز في المربعات البحرية اللبنانية.
هذه الجرعة من الحكمة والتعقل التي وردت في خطاب السيد تأتي في إطار نظرة إقليمية أعمق للتطورات المحتملة في المنطقة، وأبرزها مؤشرات التصعيد الأمريكي المتسارع ضد لبنان وسورية، المتمثل في إحياء وتكثيف هجمات أمريكية مباشرة تتخذ من “فزاعة” داعش ستارا، لقصف قواعد الجيش السوري، والقوى العراقية الداعمة له على حدود البلدين، وإحكام القبضة على مخزونات النفط والغاز والحبوب، وإغلاق الطريق البري الذي يربط بغداد وطهران بدمشق وبيروت لمنع وصول أي امدادات عسكرية للمقاومة اللبنانية.
في الأيام القليلة الماضية، ترددت أنباء قد تكون أقرب الى الصحة تفيد بأن الولايات المتحدة تريد تحويل الأنظار عن هزائمها في أوكرانيا، بالضغط على روسيا وقواتها وقواعدها في سورية، ومحاولة السيطرة على الأجواء اللبنانية والسورية، واغلاق الطريق البري بين ايران وسورية عبر العراق، من خلال ارسال طائرات متطورة مثل “سي 130” وكمقدمة لعدوان ثلاثي على لبنان، وغزة، وسورية، يكون لإسرائيل والقواعد الامريكية في الخليج دورا كبيرا فيه.
ما يرجح هذا السيناريو حالة الفتور الحالية في العلاقات السورية الخليجية وبعض العربية، وتجميد خطوات الانفتاح التي تزايدت وتيرتها قبل وأثناء القمة العربية التي إنعقدت في جدة شهر آيار (مايو) الماضي، وكان السيد نصر الله حريصا في خطابه على التنويه عن هذه التطورات، مضافا الى ذلك إتهام بيان رئاسي سوري للولايات المتحدة بالوقوف خلف المجزرة التي استهدفت حافلات تنقل جنودا سوريين في محيط دير الزور مما أدى الى استشهاد 26 منهم واصابة العشرات.
ختاما نقول ان السيد نصر الله لم يبالغ مطلقا عندما قال ان صواريخ المقاومة ومسيراتها ستعيد “إسرائيل” الى العصر الحجري، وربما ما قبله أيضا، ولن تكون موجودة على الخريطة أساسا اذا ما اندلعت شرارة المواجهة، فالحزب لن يكون وحده في هذه المواجهة، وستنضم اليه أذرع المقاومة في غزة وصنعاء وبغداد الى جانب سورية وايران، وهذا يعني ان هناك خطة متفق عليها من قبل جميع أعضاء محور المقاومة بالمشاركة في هذه الحرب المحتملة، وربما اقرب مما نتوقع، والسيد نصر الله يعني ما يقول.
الجنرال المتقاعد إسحاق بريك أكد في تصريحات له على إحدى القنوات الإسرائيلية “ان دولة الاحتلال محاطة حاليا بحزام خانق يتضمن 250 ألف صاروخ من عدة جهات، وسيتم قصفها في الأيام الأولى للحرب بأكثر من 3500 صاروخ يوميا، وعشرات المسيّرات ستستهدف معظم البنى التحتية مثل شبكات الكهرباء والاتصال والمياه والمطارات والموانئ، مما سيؤدي الى حالة شلل كامل، وما لم يقله الجنرال، ان جميع القبب الصاروخية، ومنظومات الباتريوت في العالم لن تستطيع اعتراض ربع هذه الصواريخ، ان لم يكن اقل، وستصيب معظم أهدافها بدقة متناهية.
إبتسامة السيد نصر الله “الخجولة” التي تعكس حالة من الثقة، وتصيب الإسرائيليين بالرعب تأتي تلخيصا لنتائج أي مواجهة قادمة ومحتملة.. والأيام بيننا.