عبد الباري عطوان. // فجر اليوم //
تجنبنا الكتابة والتعليق، على العدوانات الإسرائيلية المكثفة على اهداف إيرانية وسورية في الفترة الأخيرة لعدة أسباب أبرزها هو تكرارها وعدم وجود أي جديد فيها، يمكن ان نبني عليه رؤية استشرافية مستقبلية، ولكن العدوانين اللذين وقعا يومي امس الخميس واليوم الجمعة على اهداف في محيط دمشق بالصواريخ، ربما يشكلان كسرا لهذه القاعدة، ومؤشرا لتحولات قادمة في قواعد الاشتباك بين محور المقاومة واذرعه من ناحية، والحلف الإسرائيلي الأمريكي في الجهة المقابلة.
ما يدفعنا الى قول ذلك الرد السياسي والإعلامي والدولي الإيرانيين على هذين العدوانين الإسرائيليين في اقل من 24 ساعة، وطبيعته واختلافه عن العدوانات السابقة طوال السنوات الخمس الماضية على الأقل لهذه الأسباب:
أولا: هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها الحرس الثوري الإيراني في بيان رسمي له بوقوع العدوان، واستهداف مواقع له، والاعتراف باستشهاد الجنرال ميلاد حيدري أحد المستشارين الكبار للحرس في سورية، ونشر صورة له.
ثانيا: ابلاغ الأمم المتحدة في رسالة رسمية بهذا العدوان والاحتجاج عليه، والتحذير من تكراره.
ثالثا: التأكيد بأن هذا العدوان لا يمكن ان يمر دون رد.
***
أحد السياسيين اللبنانيين المقربين من ايران، ومحور المقاومة، اكد لنا “ان هذه الرسالة الى الأمم المتحدة، ونشر صورة الشهيد حيدري ربما يكونان خطوتين تمهدان للرد، واستهداف قيادات عسكرية إسرائيلية”.
ما يجعلنا نرجح هذا التحليل الاشتباكات المتبادلة على الحدود السورية العراقية قبل اسبوعين، بين القوات الامريكية وفصائل عراقية مسلحة مدعومة إيرانيا حيث استهدف قصفا صاروخيا لهذه الفصائل على قاعدة عسكرية أمريكية جنوب مدينة الحسكة شرق الفرات، أدى الى مقتل متعاقد امريكي، وإصابة ستة آخرين، واليوم ارتفع عدد الإصابات الى 12 عسكريا بعد اعتراف وزارة الدفاع الامريكية بإصابة خمسة آخرين في الدماغ على غرار ما حدث في قصف قاعدة عين الأسد العسكرية الامريكية غرب العراق كرد انتقامي على اغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس.
يبدو ان التوجه الإيراني الجديد هو الرد على أي عدوان إسرائيلي على أهداف إيرانية في سورية بقصف القواعد الامريكية، سواء في قاعدة التنف على مثلث الحدود العراقية الأردنية السورية، او قواعد حقل العمر شرق الفرات حيث آبار النفط والغاز السورية المحتلة أمريكيا، وما يشجع ايران وحلفائها للمضي قدما في هذا النهج ان الرد الأمريكي جاء محدودا وليس موسعا.
الاستراتيجية الإيرانية السورية الجديدة، والمدعومة روسيا فيما يبدو، تتلخص في توسيع حرب الاستنزاف ضد الوجود العسكري الأمريكي في سورية (900 جندي)، من خلال التحرش العسكري المتدرج، لإجبار الحكومة الامريكية على سحب قواتها، وتفكيك قواعدها، تقليصا للخسائر البشرية والمادية.
ايران، وعبر حلفائها في العراق، هي التي لعبت دورا كبيرا في الضغط لوقف ضخ نفط كردستان الى تركيا، ومنها الى دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن المفارقة ان جزءا من هذا النفط مسروق من آبار النفط السورية شرق دير الزور، وهي أيضا، أي ايران، التي طلبت من تركيا الالتزام بقرار التحكيم، ووقف مرور النفط عبر أراضيها بحكم العلاقة الحالية الجيدة بين البلدين.
***
الأسابيع القليلة القادمة، وعلى الجبهات المتعددة، السورية والعراقية والإيرانية وربما التركية أيضا، قد تكون حافلة بالمفاجآت في ظل التوتر الحالي المتصاعد، ومثلما جاء الرد الإيراني بالإنابة على العدوانات الإسرائيلية بقصف القواعد العسكرية الامريكية في البوكمال وشرق الفرات بالصواريخ والمسيّرات، وقبلها على اهداف إسرائيلية في كردستان العراق، من غير المستبعد ان نصحو في احدى الأيام على ردود انتقامية ثأرية على اهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة او خارجها.
هذه الغطرسة الإسرائيلية الاستعراضية لم تُضعف سورية بشكل مؤثر، ولم تؤثر بشكل سلبي فاعل كبير على وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في أراضيها، رغم تسليمنا بأنها عدوانات مهينة، ومن الخطأ ان تمر بدون ردود قوية وفي العمق الإسرائيلي، ولكننا نفهم ونتفهم سياسة النفس الطويل، وكظم الغيظ، واختيار التوقيت المناسب، فحتى أمريكا وإسرائيل، باتا تستخدمان المقولة السورية والإيرانية نفسها، أي الرد في الزمان والمكان المناسبين في الأيام الاخيرة، وخاصة بعد تسلل احد مقاتلي كتيبة “الرضوان” التابعة لحزب الله على الأرجح الى الجليل المحتل حاملا حقيبة مليئة بالمتفجرات ومزنرا بحزام ناسف.. والأيام بيننا.