مشهدا البطولة والتحدي للشهيد عدي التميمي، في عمليتين فدائيتين قاتل فيهما حتى الرمق الأخير، لا يعكسان فقط بطولة فلسطينية استثنائية، بل يعكسان مأزق “إسرائيل” الاستراتيجي.
مشهدا البطولة والتحدي للشهيد عدي التميمي، في عمليتين فدائيتين قاتل فيهما حتى الرمق الأخير، لن يمحيا من الذاكرة الفلسطينية والعربية، فالبطولة الكبيرة التي جسدها الشهيد عدي وهو يهاجم بمسدس جنوداً من لواء النخبة الصهيوني وهم مدجّجون بالسلاح الآلي المتطور، ثم يغادر بسلام، وتفشل أجهزة العدو الاستخبارية والأمنية كافة في تعقبه، ليعود بعد عشرة أيام وينفذ عملية هجومية ثانية، ضد نقطة عسكرية، ويشتبك معهم ويقاتل حتى آخر رمق وآخر نقطة دم؛ واقفاً ثم منحنياً، فمدّداً على الأرض، مصاباً، في مشهد واقعي وليس هوليوودياً سينمائياً، لا يعكس فقط بطولة فلسطينية استثنائية، بل يعكس مأزق “إسرائيل” الاستراتيجي.
تؤكد تطورات الانتفاضة الفلسطينية المسلحة، أن ما تشهده جبهة الضفة الغربية والقدس، ليس مجرد أحداث عابرة، ومواجهات محدودة، بل مزيداً من المواجهة والتصعيد في الأيام القادمة، وقد عكست عمليتا التميمي ملامح المقاومة الشرسة والباسلة، التي سيواجهها العدو، من الجيل الفلسطيني الجديد، الذي يحمل على عاتقه إشعال الانتفاضة الثالثة.
إنّ أغلب عناصر التشكيلات العسكرية، في الضفة الغربية من الشباب العشريني، الذي تأثر بعدد من المتغيرات على الساحة الفلسطينية، أبرزها:
– تطور العمل المقاوم في قطاع غزة، والذي توّج بمعركة “سيف القدس”، في أيار/مايو 2021، والتي تركت آثاراً عميقة في نفوس الشباب الفلسطيني، الذي تفاجأ من قدرة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على تطوير قوتها العسكرية في ظل حصار شامل، والأهم أنها قدرة فجّرت الساحات الفلسطينية كافة، بسبب الحالة المعنوية الهائلة التي صنعتها المعركة، واستعادت معها الوعي الوطني، بإمكانية هزيمة العدو وكسره.
– مشهد العزة والفخر لشباب الضفة الغربية والقدس، من المقاومة في قطاع غزة، ولّد لديهم الدافعية للتخلص من الاكتفاء بالمراقبة والفرحة للقدرات التي راكمتها المقاومة في غزة، وبدأت قيادات شبابية في الضفة الغربية تدرس تجربة قطاع غزة، وأدركت أن إطلاق العمل المقاوم ووحدة الميدان والتجربة القتالية، عناصر مهمة لإطلاق انتفاضة مسلحة ضد العدو، ولا يتأتى ذلك إلا بإنشاء بؤر قتالية في المدن الفلسطينية المختلفة، قادرة على تطوير أدواتها القتالية، وقادرة على استنزاف قوات العدو.
– يعاني المقاتلون في الضفة الغربية من عدم توفر الغطاء الرسمي من قيادة السلطة، التي ما زالت تؤمن بخيار التسوية ولا تتبنى خيار المقاومة المسلحة، على عكس قطاع غزة، الذي تتوفر فيه بيئة حكومية حاضنة للمقاومة، وراعية لها، الأمر الذي دفع عدداً من عناصر الأجهزة الأمنية إلى تنفيذ عمليات عسكرية، والانخراط في العمل المقاوم.
– ساهمت سياسات الاحتلال في الضفة الغربية، ولا سيما كثافة الاستيطان، وقضم الأراضي، والجدار العازل، وتشعب مئات الطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، وعربدة قطعان المستوطنين، الذين تضاعف عددهم ليقترب من المليون مستوطن، ساهمت، في تحويل حياة الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة إلى جحيم، ولم تترك له خياراً إلا العودة إلى المقاومة ومواجهة العدو وزعران المستوطنين.
– سلوك الاحتلال الاستفزازي، واستباحته مدن الضفة الغربية، واقتحام قواته ووصولها إلى مراكز المدن، أحياناً، والقيام بتأمين اقتحام المستوطنين المستمر لقبر يوسف في نابلس، واستمرار اعتداءات المستوطنين على المزارعين الفلسطينيين في موسم قطف الزيتون، وعدم قيام القوات الأمنية الفلسطينية بصدّهم، كلها عوامل عززت من إنشاء خلايا قتالية لمواجهة سلوك العدو والمستوطنين، وهو ما عبّرت عنه بوضوح مجموعة “عرين الأسود” الفدائية في مدينة نابلس المحتلة، و”كتيبة جنين”، وبروز تشكيلات عسكرية في مختلف الساحات، تضم عناصر من فصائل مختلفة وعناصر ليس لها انتماء تنظيمي.
– اقتحامات جنود العدو ومستوطنيه لباحات المسجد الأقصى، وتدنيس الحرم القدسي الشريف، وأداء الصلوات والطقوس التلمودية في باحاته، والاعتداء على النساء، شكّلت دافعاً رئيسياً للعمليات الفدائية، لما يتمتع به المسجد الأقصى من مكانة في نفس كل فلسطيني، فأي مشهد استفزازي في باحات الأقصى كفيل باندفاع الشباب الفلسطيني للانتقام والدفاع عن المقدسات.
– غياب الأفق السياسي، وفشل مسار حل الدولتين، وتراجع مكانة السلطة والقضم المتزايد من شرعيتها، نتيجة الفشل السياسي، وتفشي الفساد، وغياب العملية الديمقراطية وتبادل السلطة، وقمع الحريات، والصراع على خلافة الرئيس محمود عباس، كلها عوامل، عززت ضعف السلطة المركزية، وأعطت شرعية وهامشاً أكبر للخلايا العسكرية التي اكتسبت ثقة عالية من الجمهور الفلسطيني الناقم على سياسات السلطة.
تقوم سياسة العدو خلال العقدين الأخيرين، على إدارته للصراع من دون السعي لحله، ورفضه الحد الأدنى المقبول من منظمة التحرير الفلسطينية، المتمثل في إنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967، والتمسك بدلاً من ذلك، بخيارَي السلام الاقتصادي، والهدوء مقابل الهدوء، وليس الأرض مقابل الهدوء، وظن العدو أن سياسته ستنجح في منع اندلاع انتفاضة جديدة، وتسكين الحالة الفلسطينية، وهو ما ثبت فشله، وأحبطته مقاومة الشعب الفلسطيني المتجددة، الأمر الذي وضع العدو في مأزق استراتيجي، وتصفير خياراته، كونه لا يمتلك أي رؤية للتعامل مع مقاومة الشعب الفلسطيني، فمسار حل الدولتين أصبح من الماضي ولم يعد الحديث عنه واقعياً بفعل الاستيطان والجدار، وخطط السلام الاقتصادي فشلت، وكل الظروف باتت مهيأة لمواجهة ممتدة ومتصاعدة، لا يعلم العدو مآلاتها وانعكاساتها، في ظل الأزمتين السياسية والاجتماعية والاستقطاب الحاد الذي يعاني منه مجتمع العدو، وبات التهديد الداخلي للعدو لا يقل خطراً عن التهديدات الخارجية، ما يفاقم التحديات أمامه، ويضع مزيداً من علامات الاستفهام بشأن مصيره ومستقبله.
المصدر صفحة الكاتب نقلا عن الميادين.
متابعة المزيد من الأخبار عبر صفحاتنا بالروابط التالية.
اخبار فجر اليوم
يوتيوب
https://youtube.com/channel/UC_CGnWNMwyoLzmR5-5gLsVw
تويتر
https://twitter.com/FjrAlywm?t=ZCnsNvTNf3EorBhJXoqD8w&s=09
تليجرام
https://t.me/fjrnews
فيس بوك
رابط محرك البحث جوجل والشبكة العنكبوتية