المستشفى الثقافي

تستيقظُ في الرابعة عصراً ، وتخبرك الساعة المعلقة في حائط غرفتك المليئ بالغبار أنك عدت قبل ساعتين من وظيفتك المرهقة بكل ما بداخلها من تعب نفسي وذهني ، وتفكر ما أول شيء يمكنك أن تقوم به
فتحاول أولاً تركيب رأسك في مكانه كي يعود لمزاولة نشاطه المعتاد والرتيب أمام كومة من الخيارات المملة والروتين اليومي الذي لا يكسره سوى جلسات مفعمة بالأدب والثقافة مع محفوظ الشامي الذي يترك صنعاء في معتركها وصراعها الدائم والحضور إلى بساطة مدينة إب حينما أبقى لساعات مع محفوظ لكتابة وشرح الوضع الثقافي اليمني وكأنه يجسد واقعية الشاعر هيسودوس ( شاعر اغريقي وأول شاعر كتابي في التراث الغربي ) لكن في هذا المعترك اليومي لم يكن محفوظ موجوداً

لذا أدلق بجسدي نحو الخارج وأقدامي في صِدام مع بعضها البعض فلا طريق واضح ولا آفاق تحمل البشرى ولا معالم توحي بأن حدث جلل سيحدث
لكن هذه المرة ينبع من جنبات الطريق شعور مختلف ، إنعكاس صورتي على المركبات التي تعبر شارع تعز وتظهر صورتي أن رأسي هذه المرة بدا مرتب بشكل أنيق، وكأن رأسي عاد للعمل بشكل حقيقي دون رتابته اليومية، فتظهر في رأسي ذكرى مثل غيمة مستعدة للإجهاض ، وهي تقودني نحو مكتب الثقافة إب، فعقدت صلحاً مؤقتاً مع أقدامي كي تحملني إلى مكتب الثقافة ، وحينما وصلت وجدت باب المركز الثقافي مفتوحاً ، دخلت بعراك بيني وبين خيالاتي هل تكون خشبة المسرح عادت للحياة ، كسرت كل الشك وعبرت الباب الرئيسي فيما القلب كاد أن يقفز من مكانه
الأضواء ، الأصوات ، الجمهور مرتب فوق المقاعد بشكل إنسيابي
استقليت أحد المقاعد في الصفوف الخلفية ، كان ذلك مع بداية إنطفاء أضواء المكان وتركزها على خشبة المسرح .

يا إلهي هل هذه حقيقة أننا في متون الحرب ستفتح ستائر المسرح ليكون هناك عرضاً مسرحي ، حلمي يتحقق ربما لكني مؤمن أن محفوظ يشاركني هذا الحلم في صنعاء وسلمان في ذمار وهاني في تعز ونجيب المحبوبي في عدن وعبير واكد في حضرموت ، أن تعود خشبات المسرح لكي نتنفس أن يظهر ذلك الصوت وهو يقول ؛ العرض المسرحي اليوم بعنوان : …….

لم تكن سوى ثوانٍ حتى فعلاً بدأ الصوت ويخبرنا ببدء العرض المسرحي الثالث في مهرجان المونودراما
بدأ العرض المسرحي ، وكأنه يعيد الحياة لمدينة إب ولأرواحنا المتعبة وكأننا زرنا مستشفى ثقافي يعيد لنا البهجة والمتعة التي حرمنا منها، يبعث لداخلنا طاقات كبيرة وباتت أحد أحلامنا تتحقق ولو بعرض مسرحي بعد تسع سنوات حرب

للكاتب.. عبدالحميد الكمالي

Exit mobile version