الضوراني* تعتبر القضية الفلسطينية، جوهر الصراع في المنطقة والعالم، محكاً للضمير الإنساني والعدالة الدولية. لكن ما نشهده اليوم من تصاعد للانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وتوسع للاستيطان، وتصعيد للعنف، يقابله صمت مطبق، وتخاذل مخزٍ، وحالة من الخضوع المريع للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية من قبل العديد من الأنظمة العربية والإسلامية. هذا التخاذل ليس مجرد موقف عابر، بل هو سياسة ممنهجة تحمل في طياتها نتائج وتبعات كارثية على مستقبل المنطقة بأسرها. جذور الخضوع وواقع التخاذل يمكن تتبع جذور هذا الخضوع إلى عوامل متعددة، أبرزها: * الاعتماد على الدعم الخارجي: ارتهان بعض الأنظمة العربية والإسلامية للقوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي. هذا الارتهان يجعلها عرضة للضغوط والابتزاز، ويحد من قدرتها على اتخاذ مواقف مستقلة حيال قضايا الأمة. * الانقسامات الداخلية والتنافس الإقليمي: بدلًا من توحيد الصفوف لمواجهة التحديات المشتركة، تعيش المنطقة حالة من التشرذم والتنافس على النفوذ، مما يضعف الجبهة العربية والإسلامية ويسهل اختراقها. * الخوف من التغيير الشعبي: تخشى بعض الأنظمة من تنامي الوعي الشعبي ودعم القضايا العادلة، وبالتالي تسعى لإلهاء شعوبها أو قمع أي تحركات قد تهدد “استقرارها” المزعوم. * التطبيع والتحالفات السرية: تواصل بعض الدول العربية سياسة التطبيع العلني والسري مع إسرائيل، متجاهلة بذلك تطلعات شعوبها ومبادئها المعلنة، ومقدمة بذلك خدمة مجانية للمشروع الصهيوني في المنطقة. هذا التطبيع ليس مجرد خيانة للقضية الفلسطينية، بل هو تسليم بمشروع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. أما واقع التخاذل فهو يتجلى بوضوح في: * الصمت المطبق: تجاه الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، من قتل وتشريد واعتقالات، وحتى في مواجهة الحصار الخانق والتجويع المتعمد. * البيانات الخجولة: التي لا تتجاوز حدود الإدانة الشكلية، ولا يتبعها أي فعل حقيقي أو ضغط سياسي واقتصادي مؤثر. * التخلي عن الدور المحوري: الذي كان من المفترض أن تضطلع به الدول العربية والإسلامية في دعم الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة. * التواطؤ غير المباشر: عبر تسهيل مرور الدعم اللوجستي للكيان المحتل، أو عدم اتخاذ خطوات جادة لقطع علاقات اقتصادية أو سياسية معه. النتائج والتبعات المستقبلية لخيانة القضية الفلسطينية إن الاستمرار في هذا المسار من التخاذل والخضوع له تبعات وخيمة لا تقتصر على القضية الفلسطينية فحسب، بل تمتد لتشمل المنطقة والعالم: * تصفية القضية الفلسطينية: يؤدي هذا الخضوع إلى تآكل حقوق الشعب الفلسطيني وتهميش قضيته، مما يمهد الطريق لتصفية نهائية للقضية وإنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية. * تزايد النفوذ الإسرائيلي والأمريكي: يمنح هذا التخاذل الكيان المحتل المزيد من الشرعية للتوسع والسيطرة، ويعزز الهيمنة الأمريكية التي ترى في إسرائيل “حليفاً استراتيجياً” لضمان مصالحها في المنطقة. * زعزعة الاستقرار الإقليمي: لن تحقق سياسة “السلام” المزعوم أو التطبيع استقراراً حقيقياً، بل ستؤدي إلى مزيد من الاحتقان والغضب الشعبي، مما يغذي التطرف ويقوض الأمن على المدى الطويل. القضية الفلسطينية هي صمام أمان المنطقة، وخيانتها تعني فتح أبواب الفوضى. * فقدان المصداقية والثقة: تفقد الأنظمة المتخاذلة مصداقيتها أمام شعوبها وأمام العالم، وتتآكل ثقة المواطنين في قدرتها على حماية مصالحهم وقضاياهم العادلة. * تآكل الهوية العربية والإسلامية: إن التخلي عن قضية جوهرية كالقضية الفلسطينية يعني التخلي عن جزء أصيل من الهوية والتاريخ المشترك للأمة، مما يمهد لتفكك اجتماعي وثقافي أعمق. * تداعيات اقتصادية واجتماعية: استمرار الصراع وعدم الاستقرار يعيق التنمية الاقتصادية في المنطقة، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة، مما يفاقم الأزمات الاجتماعية. دعوة إلى الصحوة والمواجهة إن اللحظة الراهنة تتطلب صحوة حقيقية ووقفاً لهذا التخاذل. لا يمكن للمنطقة أن تنعم بالسلام والأمن والاستقرار ما دامت القضية الفلسطينية مغتصبة وحقوق شعبها مهضومة. إن الثمن الذي تدفعه شعوب المنطقة من جراء هذا الخضوع أكبر بكثير من أي مكاسب وهمية قد تسعى إليها بعض الأنظمة. يجب على الشعوب العربية والإسلامية، والمؤسسات الفاعلة، والأصوات الحرة، أن تواصل الضغط على حكوماتها لتبني مواقف أكثر صلابة وفعالية، وأن تتجاوز مرحلة البيانات والإدانة إلى الفعل الحقيقي. فالقضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية الأمة جمعاء، وخيانتها ستظل وصمة عار تلاحق الأجيال القادمة. المستقبل مرهون بما نقوم به اليوم، وعليه فإن الثمن الباهظ لخيانة هذه القضية سيقع على كاهل الأجيال القادمة التي ستعيش تبعات هذا الخضوع.