بالذكرى الـ49 وثائق حرب 73: جنرالات الجيش اقترحوا تدمير دمشق كليًّا وإعادتها للعصور الحجريّة لكسر سوريّة وذبح العرب بدمٍّ باردٍ بفصل رؤوسهم عن أجسادهم.. ديّان انهار وطالب مائير باستخدام النوويّ
فجر اليوم //
جريًا على العادة الإسرائيليّة، فإنّ الرقابة العسكريّة في كيان الاحتلال، تقوم في الذكرى السنويّة لحرب تشرين الأوّل (أكتوبر) 1973، والتي تحِّل وفق التقويم الميلاديّ غدًا الخميس، الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019، بنشر وثائق عن الحرب كانت حتى اللحظة سريّةً وممنوعةً من النشر، وبحسب ما تمّ نشره اليوم في موقع صحيفة (هآرتس) العبريّة، من وثائق سريّةٍ، يتبيّن أنّ الارتباك والبلبلة، الهلع والفزع، والشعور بأنّ إسرائيل ستختفي عن الخريطة، كانوا أسياد الموقف خلال الأيّام الأولى من الحرب.
وكشفت الوثائق عن أنّ جنرالات الجيش استخدموا تعابير مثل كارثة، انهيار، حاضر أسود ومُستقبل أشّد سوداويّةً، وذلك لوصف حالة الجيش الإسرائيليّ على جميع الجبهات. وجاء في الوثائق التي تُنشِر لأوّلّ مرّةٍ أنّه من بين الحلول التي تمّ عرضها ومناقشتها من قبل كبار جنرالات جيش الاحتلال كانت: كسر سوريّة، احتلال دمشق وتدميرها عن بكرة أبيها ومن ثمّ المطالبة بوقف إطلاق النار، ذبح المصريين، وفصل رؤوس العرب عن أجسادهم بدمٍ باردٍ، كما قال وزير الأمن موشيه ديّان.
حيث قال قائد المنطقة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيليّ وقتذاك، الجنرال حاييم بارليف إنّ العرب يتقدّمون بسرعةٍ كبيرةٍ، ومن المُمكِن جدًا أنْ يحسموا الحرب لصالحهم ويتغلبوا علينا، على حدّ تعبيره.
وبحسب الوثائق فإنّ وزير الأمن خلال الحرب موشيه ديّان خاف أكثر ممّا خاف من أنْ تبقى إسرائيل بدون سلاح وبدون جنودٍ، لذا اقترح على الحكومة القيام بتجنيد الشباب اليهود من جميع أصقاع العالم، وبشكلٍ خاصٍّ من القارّة العجوز ومن الولايات المُتحدّة الأمريكيّة وحتى من جنوب إفريقيا.
وكُشِف النقاب أيضًا عن أنّ القائد العّام لهيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيليّ خلال الحرب، دافيد إلعزار، اقترح خلال جلسةٍ تمّ عقدها مع الجنرالات والقادة السياسيين توجيه ضربةٍ قاضيةٍ لسوريّة تشطبها عن الخريطة تمامًا، قائلاً في الوقت عينه إنّ العالم سيقوم بالشجب والاستنكار ولكن باستطاعتنا تخطّي ذلك، وذلك في إشارةٍ واضحةٍ لاستخدام إسرائيل الأسلحة النوويّة التي بحسب المصادر الأجنبيّة تمتلكها.
إلى ذلك، يُؤمِن المؤرّخ الإسرائيليّ، توم سيغف، أنّه على الرغم من أنّ المؤرخين الإسرائيليين على مختلف انتماءاتهم حاولوا تجميل شخصية وزير الأمن الأسبق، موشيه دايّان، إلّا أنّهم لم يتمكّنوا من إخفاء شخصيته التي كانت انتحاريّة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، وقصة حياته مُعقدّة ومُركبّة، مليئة بالتناقضات والألغاز، مع كثيرٍ من اليأس، تمامًا مثل قصة دولة إسرائيل، على حدّ وصفه
وجاءت أقوال سيغف تعقيبًا على إصدار المؤرّخ والنائب السابق في الكنيست الإسرائيليّ، مردخاي بارأون، من حركة (ميرتس)، كتابًا جديدًا يستعرض فيه مسيرة دايّان، (1915-1981)، الذي قال بعد عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، ولم يُخفِ سيغف أنّ المؤلّف يكّن الاحترام والتقدير للشخص الذي يسرد سيرة حياته، خصوصًا وأنّهما يعرفان الواحد الآخر منذ العام 1956.
أمّا الإخفاق الأكبر، بحسب الكتاب، فكان رفض دايّان لرسائل الرئيس المصريّ في ذلك الوقت، أنور السادات، والتي كان بإمكانها منع الحرب. ويُضيف المؤرّخ بارأون: “في الأيّام الأولى من الحرب أُصيب دايّان بكآبةٍ شديدةٍ وهلعٍ كبيرٍ، وذلك لاعتقاده بأنّ العرب سيقومون بالقضاء على إسرائيل، وتحدّث عن الخراب الثالث للهيكل المزعوم”. أمّا سيغف، ومن خلال مراجعته للكتاب، فيُشير إلى أنّه في تلك الأيّام، كان الحديث في إسرائيل عمّا يُسّمى بـ”الخيار النوويّ”، وهذا من أهّم الأحداث في تاريخ إسرائيل، على حدّ قوله.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، يقول مؤلّف الكتاب إنّ دايّان اقترح على رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مائير، أنْ تلجأ إلى الخيار النوويّ، وطلب منها أنْ تكون جاهزةً. وفي هذا السياق يقول الكتاب إنّ دايّان في تلك الأيّام كان يُثير الشفقة، وبالتالي فإنّ إمكانية انتخابه فيما بعد لرئاسة وزراء إسرائيل لم تعُد قائمةً.
كما يتطرّق الكتاب إلى دور دايّان في التوصّل إلى سلام مع مصر، والذي توِّج في اتفاق (كامب ديفيد) عام 1979، ويقول المؤلّف إنّ دايّان وبيغن جعلا من التوصّل إلى الاتفاق مهمّةً شبه مستحيلة، لأنّهما دققا في كلّ نقطةٍ وفاصلةٍ، الأمر الذي هدّدّ المشروع برّمته، مؤكّدًا أنّ هذه التصرّف كان بمثابة مقامرة في غير محلّها، على حدّ تعبيره.
جديرٌ بالذكر أنّ ما تمّ نشره من وثائق سريّةٍ عن حرب تشرين 1973 ما هو إلّا النزر اليسير، وأنّ السماح بتحرير المُستندات لا يعني أنّ إسرائيل كشف كلّ ما كان، بلْ بالعكس، يسود الانطباع بأنّ المخفي أعظم.